لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦٦
و كذا الحديث والقصة «١» فى البداية لطف وفي النهاية عنف، فى الأول ختل وفي الآخر قتل، كما قيل :
فلمّا دارت الصهباء «٢» دعا بالنّطع والسيف
كذا من يشرب الراح مع التّنّين في الصيف «٣»
قوله جل ذكره :
[سورة القصص (٢٨) : آية ٣١]
وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١)
يا موسى.. اخلع نعليك والق عصاك، وأقم عندنا هذه الليلة، فلقد تعبت في الطريق - وذلك إن لم يكن في النقل والآثار فهو مما يليق بتلك الحال.
يا موسى.. كيف كنت في الطريق؟ كيف صعّدت وكيف صوّبت «٤» وكيف شرّقت وكيف غرّبت؟ ما كنت في الطريق وحدك يا موسى! أحصينا خطاك - فقد أحصينا كلّ شىء عددا. يا موسى.. تعبت فاسترح، وبعد ما جئت فلا تبرح - كذلك العبد غدا إذا قطع المسافة في القيامة، وتبوّأ منزله من الجنة فأقوام إذا دخلوها رجعوا إلى منازلهم تم يوم اللقاء يستحضرون، وآخرون يمضون من الطريق إلى بساط الزلفة، وكذا العبد أو الخادم إذا دخل بلد سلطانه. يبتدئ أولا بخدمة السّدّة العليّة ثم بعدها ينصرف إلى منزله.
وكذلك اليوم أمرنا «٥» إذا أصبحنا كلّ يوم : ألا نشتغل بشىء حتى نفتتح النهار بالخطاب مع الحقّ قبل أن نخاطب المخلوق، نحضر بساط الخدمة - أي الصلاة - بل نحضر بساط الدنوّ والقربة، قال تعالى :«وَاسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ» «٦» : فالمصلّى مناج ربّه. ولو علم المصلّى من
(١) يقصد حديث الحب وقصته
(٢) الرواية الصحيحة «فلما دارت الكأس».
(٣) البيتان من المقطعة التي أنشدها الحلاج وهو يواجه مصرعه، وأولها :
نديمى غير منسوب إلى شىء من الخوف
طبقات الشعراني ح ١ ص ١٢٠)
(٤) هكذا في م وهى في ص (ضربت)، وضرب في الأرض أي جال وسار، وقد أثبتنا (صوّبت) لتتلاءم مع الأفعال المضعفة طبقا لما نعرف من حرص القشيري على الموسيقى اللفظية.
(٥) من هذا نفهم أن القشيري يكتب كتابه أو يمليه من أجل الصوفية، فضمير المتكلمين يدل على نوع من التخصيص.
(٦) آية ١٩ سورة العلق.