لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٦٧٨
لا يؤمنون فيرجون الثواب ويخافون العقاب.
«وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» «١» أي : تكذيبا.
«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً» أي : كتبناه كتابا، وعلمناه علما.
والمسبّح الزاهد يحصى تسبيحه، والمهجور البائس يحصى أيام هجرانه، والذي هو صاحب وصال لا يتفرّغ من وصله إلى تذكّر أيامه في العدد، أو الطول والقصر.
والملائكة يحصون زلّات العاصين، ويكتبونها في صحائفهم. والحق سبحانه يقول :
«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً» فكما أحصى زلّات العاصين وطاعات المطيعين فكذلك أحصى أيام هجران المهجورين وأيام محن الممتحنين، وإنّ لهم في ذلك لسلوة ونفسا :
ثمان قد مضين بلا تلاق وما في الصبر فضل عن ثمان
و كم من أقوام جاوزت أيام فترتهم الحدّ! وأربت أوقات هجرانهم على الحصر! قوله جل ذكره :«فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» يا أيها المنعّمون في الجنة.. افرحوا وتمتعوا فلن نزيدكم إلا ثوابا.
أيها الكافرون.. احترقوا في النار.. ولن نزيدكم إلا عذابا «٢» ويا أيها المطيعون.. افرحوا وارتعوا فلن نزيدكم إلا فضلا على فضل.
يا أيها المساكين.. ابكوا واجزعوا فلن نزيدكم إلّا عزلا على عزل.
قوله جل ذكره :
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣١ الى ٣٨]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَ أَعْناباً (٣٢) وَ كَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَ كَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً (٣٥)
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (٣٨)

_
(١) فى «كِذَّاباً» يقول الفراء : هى لعة يمانية فسيحة يقولون : كذبت به كذابا وخرقت القميص خرّاقا.
فكل فعل في وزن (فعّل) مصدره فعال مشددة في لغتهم.
(٢) قال أبو برزة : سألت النبي (ص) عن أشد آية في القرآن فقال : قوله تعالى :«فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» أي :«كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها» و«كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً».


الصفحة التالية
Icon