لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٧١٨
العارفين إلى قدس نعته فراقبوه ثم شاهدوه، وهدى الموحّدين إلى علاء سلطانه في توحد كبريائه فتركوا ما سواه وهجروه، وخرجوا عن كلّ مألوف لهم ومعهود «١» حتى قصدوه.
فلمّا ارتقوا عن حدّ البرهان ثم عن حدّ البيان ثم عمّا كالعيان علموا أنّه عزيز، وأنّه وراء كلّ فصل ووصل، فرجعوا إلى موطن العجز فتوسّدوه.
«وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى » أي النبات.
«فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » جعله هشيما كالغثاء، وهو الذي يقذفه السيل. و«أَحْوى » أسود.
«سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى » «٢» سنجمع القرآن في قلبك - يا محمد - حفظا حتى لا تنسى لأنا نحفظه عليك.
«إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى » مما لا يدخل تحت التكليف فتنساه قبل التبليغ ولم يجب عليه أداؤه.
وهو - سبحانه - يعلم السّرّ والعلن.
قوله جل ذكره :«فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى » والذّكرى تنفع لا محالة «٣»، ولكن لمن وفّقه اللّه للاتعاظ بها، أمّا من كان المعلوم من حاله الكفر والإعراض فهو كما قيل :

_
(١) هكذا في م وهي في ص (معبود) وقد رجحنا (معهود) لتلاؤمها مع (مألوف). ولكن إذا تذكرنا أن الصوفية يرون الانسياق وراء الهوى نوعا من الشرك الخفي - قال تعالى :«أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» - فيمكن في ضوء ذلك قبول (معبود) أيضا.
(٢) يرى الجنيد أن المعنى «فلا تنسى العمل به»، وهذا من الآراء الحسنة التي يتمشى معها رأى القشيري فى «إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ».
٣) ولهذا تفسر (إن) فى الآية على معنى (ما) : أي فذكر ما نفعت الذكرى، ولا يكون لها حينئذ معنى الشرط، وتفسر على معنى (إذ) مثل :«وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، وعلى معنى (قد).


الصفحة التالية
Icon