لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٨٧
المطالبة عليها بإخراجها عن أوطان الكسل وتصريفها في أحسن العمل. وعلى القلوب بلاء وهو مطالبتها بالطلب والفكر الصادق بتطلّع البرهان على التوحيد والتحقق بالعلم. وعلى الأرواح بلاء وهو التجرّد عن محبة كلّ أحد والتفرّد عن كل سبب، والتباعد عن كل المساكنة لشىء من المخلوقات. وعلى الأسرار بلاء وهو الاعتكاف بمشاهد الكشف بالصبر على آثار التجلّى إلى أن تصير مستهلكا فيه.
ويقال فتنة العوام في أيام النظر والاستدلال، وفتنة الخواص في حفظ آداب الوصول فى أوان المشاهدات. وأشدّ الفتن حفظ وجود التوحيد لئلا يجرى عليك مكر في أوقات غلبات شاهد الحقّ فيظن أنه الحق، ولا يدرى أنّه من الحقّ، وأنّه لا يقال إنّه الحقّ - وعزيز من يهتدى إلى ذلك «١».
قوله جل ذكره :
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٣]
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣)
لم يخلهم من البلاء والمحن ليظهر صبرهم في البلاء أو ضدّه من الضجر، وشكرهم فى الرخاء أو ضدة من الكفر والبطر. وهم في البلاء ضروب : فمنهم من يصبر في حال البلاء، ويشكر في حال النّعماء.. وهذة صفة الصادقين. ومنهم من يضجّ ولا يصبر في البلاء، ولا يشكر في النعماء.. فهو من الكاذبين. ومنهم من يؤثر في حال الرخاء ألّا يستمتع بالعطاء، وبستروح إلى البلاء فيستعذب مقاساة الضّرّ والعناء.. وهذا أجلّهم.
قوله جل ذكره :
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٤]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤)
يرتكبون المخالفات ثم يحكمون لأنفسهم بالنجاة.. ساء حكمهم! فمتى ينجو من العذاب من ألقى جلباب التّقى؟! ويقال توهموا أنه لا حشر ولا نشر، ولا محاسبة ولا مطالبة.
ويقال اغتروا بإمهالنا اليوم، وتوهّموا أنهم منّا قد أفتلوا، وظنوا أنهم قد أمنوا.

_
(١) يفيد هذا الكلام عند البحث في قضية الحلاج الذي قال وهو غائب في غلبات الشهود :«أنا الحق» [.....]


الصفحة التالية
Icon