لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٩٤
و يرحم من يشاء بالتوحيد والوجود. يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة.
يعذّب من يشاء بتفرقة الهمّ ويرحم من يشاء بجمع الهمّة. يعذب من يشاء بإلقائه في ظلمة التدبير، ويرحم من يشاء بإشهاده جريان التقدير. يعذب من يشاء بالاختيار من نفسه، ويرحم من يشاء برضاه بحكم ربّه. يعذب من يشاء بإعراضه عنه، ويرحم من يشاء بإقباله عليه. يعذب من يشاء بأن يكله ونفسه، ويرحم من يشاء بأن يقوم بحسن تولّيه.
يعذب من يشاء بحبّ الدنيا ويمنعها عنه، ويرحم من يشاء بتزهيده فيها وبسطها عليه.
يعذب من يشاء بأن يثبته في أوطان العادة، ويرحم من يشاء بأن يقيمه بأداء العبادة...
وأمثال هذا كثير.
قوله جل ذكره :
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٢]
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (٢٢)
نقلّب الجملة في القبضة، ونجرى عليهم أحكام التقدير : جحدوا أم وحّدوا، أقبلوا أم أعرضوا.
قوله جل ذكره :
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٣]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)
تعجلت عقوبتهم بأن يئسوا من رحمته.. ولا عقوبة أشدّ من هذا.
قوله جل ذكره :
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٤]
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)
لمّا عجزوا عن جوابه ولم يساعدهم التوفيق بالإجابة أخذوا في معارضته بالتهديد والوعيد، والسفاهة والتوبيخ، واللّه تعالى صرف عنه كيدهم، وكفاه مكرهم، وأفلج عليهم عليهم حجّته «١»،

_
(١) أفلج اللّه عليهم حجته أي أظهرها وأثبتها.


الصفحة التالية
Icon