ج ٣، ص : ٢٧٤
من استجمع تلك الصفات فهو الحقيق بالعبادة دون غيره من خلقه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ بالحفظ له والتدبير فيه يعنى هو متول لاموركم رقيب على أموالكم فكلوا إليه الأمور وتوسلوا إليه بالعبادة ينجح ما ربكم ويجازى على حسناتكم
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أخرج ابن أبى حاتم وغيره بسند ضعيف عن أبى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لو ان الجن والانس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى ان فنوا صفا واحدا ما احاطوا باللّه ابدا استدل المعتزلة بهذه الآية على امتناع الروية واجمع أهل السنة على نفى الروية فى الدنيا وإثباتها فى الاخرة للمؤمنين فى الجنة والاستدلال بها على الامتناع باطل بوجوه أحدها ان صيغة المضارع اما للحال ويستعمل فى الاستقبال مجازا أو هى مشترك فى المعنيين والحال مراد فى الآية اجماعا إذ لا قايل بروية اللّه تعالى فى الدنيا فلا يجوز ارادة الاستقبال والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المشترك ثانيها ان الابصار بصيغة الجمع يدل على ارادة الافراد دون الجنس فاللام اما للعهد يعنى الابصار الموجودة فى الدنيا أو للاستغراق فانكان للعهد فلا دليل على نفى الروية بالأبصار المخلوقة للمؤمنين فى الجنة وان كان للاستغراق فمدلول الآية نفى الاستغراق لا استغراق النفي فلا دليل فيه على نفى الروية بابصار أهل الجنة روى أبو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رب أرني انظر إليك قال قال اللّه يا موسى انى لا يرانى حى إلا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تفرق وانما يرانى أهل الجنة لا يموت أعينهم ولا يبلى أجسامهم ثالثها ان الإدراك غير الروية لأن الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به أو الوصول إلى الشيء بحيث لا يفوت منه شىء والروية المعاينة ولا تلازم بينهما قال اللّه تعالى فلما ترائ الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا فى هذه الآية نفى للدرك بعد اثبات الروية من الجانبين رابعها ان النفي لا يوجب الامتناع وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط بها علمه وَهُوَ اللَّطِيفُ فى القاموس هو البر بعباده المحسن إلى خلقه بايصال المنافع إليهم برفق ومن هاهنا
قال ابن عباس اللطيف باوليائه وفيه أيضا اللطيف العالم بخفايا الأمور وفى الصحاح قد يعبر باللطيف ما لا يدرك بالحاسة وعلى هذا ففى الكلام لف ونشر مرتب يعنى لا تدركه الابصار لأنه اللطيف وهو يدرك الابصار لأنه الْخَبِيرُ قَدْ جاءَكُمْ