ج ٣، ص : ٣٠٢
لا نفعله فلو لا انه رضى بما نحن عليه وأراد منا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك وهذا الاستدلال مبنى على جهلهم وعدم تفرقهم بين المشية بمعنى الارادة وبين الرضا فان إرادته تعالى متعلق بالخير والشر ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لا يكون وانه تعالى لا يرضى لعباده الكفر كَذلِكَ أى مثل ما كذبوك فى ان اللّه منع من الشرك ولم يرض به ولم يحرم ما حرّموه كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رسلهم حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا عذابنا الذين أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ مستنبط من كتاب أو حجة يفيد العلم بانه تعالى راض عن الشرك وحرم ما حرموه أو المراد بالعلم امر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعموا فَتُخْرِجُوهُ لَنا ولتظهروا ما أفادكم ذلك العلم وليس الأمر كذلك ولا يقولون انهم يقولون عن علم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون واللّه اعلم
قُلْ يا محمّد فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التامة عليكم باوامره ونواهيه ولا حجة لكم بمشيته فان مشيته لا يلازم رضاه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على مقتضى حكمته لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون احتج المعتزلة بهذه الآية على ان الكفر ليس بمشية اللّه تعالى وإرادته والا لما عابهم اللّه تعالى على قولهم لو شاء اللّه ما أشركنا ولما كذبهم الله فى هذا القول وبما ذكرنا لك من التفسير ظهر بطلان احتجاجهم بها وان اللّه تعالى لم يكذبهم فى هذا القول بل قولهم هذا يوافق قوله تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ولم يقل اللّه تعالى انكم كاذبون فى هذا القول بل عابهم على تكذيبهم الرسل فى ان اللّه تعالى ليس براض بالكفرناه عنه ولم يحرم ما يقولونه حراما وعابهم على زعمهم ان تحريمنا البحائر وأشباهها لما كان بمشية اللّه فهو راض عن ذلك التحريم وان اللّه حرم هذه الأشياء حيث قال اللّه تعالى
قُلْ يا محمد هَلُمَّ اسم فعل غير منصرف يقال للواحد والتثنية والجمع عند أهل الحجاز ومعناه احضروا شُهَداءَكُمُ أى قدوتكم فى هذا القول استحضرهم ليلزم هم الحجة بأجمعهم ويظهر ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم ووصفهم بقوله الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا الذي زعموه محرما فَإِنْ شَهِدُوا بالباطل فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أى لا تصدّقهم وبيّن لهم فسادها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا