ج ٣، ص : ٣٤٨
انه حال مقدرة يعنى مقدرين الخلوص من التنغيص والغم يَوْمَ الْقِيامَةِ واما فى الدنيا فهى مشوبة بالغم والتنغيص أو المعنى مقدرين الخلوص لهم لا يشاركهم الكفار كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعنى ميزنا الحلال من الحرام هاهنا حيث أمرنا بإتيان الحلال وترك الحرام ونهينا عن الإسراف وإتيان الحرام كذلك نفصل سائر الاحكام لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ انه لا شريك للّه تعالى أحد.
قُلْ يا محمد إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الْفَواحِشَ أى ما تزايد قبحه ما ظَهَرَ مِنْها كطواف الرجل بالنهار عريانا وَما بَطَنَ كطواف النساء بالليل عريانا وقيل الزنا سرا وعلانية عن ابن مسعود يرفعه قال لا أحدا غير من اللّه فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدحة من اللّه فلذلك مدح نفسه وَالْإِثْمَ أى ما يوجب الإثم يعنى الذنب والمعصية تعميم بعد تخصيص وقال الضحاك الإثم الذنب الذي لا حدّ فيه وقال الحسن الإثم الخمر قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقلى كذلك الإثم يذهب بالعقول
وَالْبَغْيَ الظلم أو الكبر أفرده بالذكر مبالغة أو المراد البغي على سلطان عادل بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلق بالبغي موكد له معنى وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ أى باشراكه سُلْطاناً حجة فيه تهكم بالمشركين وتنبيه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فى تحريم الحرث والانعام والطواف عريانا وغير ذلك وقال مقاتل هو عام فى تحريم القول فى الدين من غير يقين.
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعنى لكل أمة من الكفار مدة ووقت معين فى علم اللّه تعالى لنزول العذاب بهم وعيد لاهل مكة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أى حان وقت عذابهم لا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ساعَةً أى لا يتاخرون اقصر وقت وان طلبوا الامهال وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ولا يتقدمون ذلك وان سألوا العذاب لقولهم اللّهمّ ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم « ١ »
_________
(١) وعن ابن المسيب قال لما طعن عمر قال كعب لو دعا اللّه عمر لاخر فى اجله فقيل له أليس قد قال اللّه تعالى فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون قال كعب وقد قال اللّه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا فى كتاب مبين فان اللّه يوخر ما يشاء وينقص ما يشاء فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ولا يستقدمون وعن أبى مليكة قال لما طعن عمر جاء كعب فجعل يبكى ويقول واللّه لو ان امير المؤمنين ليقسم على اللّه ان يوخره لاخره فدخل ابن عباس عليه فقال يا امير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا قال إذا واللّه لا اسأله ٥
التفسير المظهري، ج ٣، ص : ٣٤٩
يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ما زايدة زيدت لتاكيد الشرط ولذلك أكد فعلها بالنون ذكر اللّه سبحانه بحرف الشك للتنبيه على ان إتيان الرسل جائز غير واجب ولا يجب على اللّه شىء رُسُلٌ مِنْكُمْ أى من بنى آدم يَقُصُّونَ أى يقرءون عَلَيْكُمْ آياتِي من الكتب صفة لرسل وجواب الشرط فَمَنِ اتَّقى منكم يعنى من الشرك وتكذيب الرسل وَأَصْلَحَ عمله أى أخلصه للّه تعالى واتى به كما امره فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الناس فى القبر ويوم القيامة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ إذا حزنوا فى النار.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا منكم وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أى عن الايمان بها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ادخل الفاء فى الجزاء الأول دون الثاني للمبالغة فى الوعد والمسامحة فى الوعيد.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أى جعل له شريكا أو قال اتخذ اللّه صاحبة وولدا أو قال اللّه أمرنا بتحريم السوائب والطواف عريانا ونحو ذلك واللفظ يشتمل الروافض الذين يفترون على اللّه وعلى رسوله ويقولون انزل اللّه فى القرآن آيات كثيرة القاها الصحابة من القرآن أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة والترديد لمنع الخلو أُولئِكَ يَنالُهُمْ فى الدنيا نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أى حقهم مما كتب لهم فى صحف الملئكة الموكل بهم من الأرزاق والتمتعات والأعمال والاكساب والمصائب والآجال وقيل الكتاب اللوح المحفوظ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يعنى ملك الموت وأعوانه يَتَوَفَّوْنَهُمْ يقبضون أرواحهم قالُوا جواب إذا يعنى قالت الرسل للكفار أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما موصولة وصلت باين الاستفهامية فى خط المصحف وكان حقها الفصل والاستفهام للتوبيخ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها من دون اللّه من الأصنام وغيرها قالُوا أى الكفار ضَلُّوا أى غابوا عَنَّا وَشَهِدُوا يعنى الكفار اعترفوا عند معاينة العذاب عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ اللّه تعالى يوم القيامة أو ملك الموت حين التوفى.
ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ أى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى الكفار الأمم الماضية من الفريقين فِي النَّارِ متعلق بادخلوا كُلَّما دَخَلَتْ النار أُمَّةٌ كافرة من الأمم لَعَنَتْ أُخْتَها فى الدين التي ضلت هذه الامة باقتدائها فيلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى ويلعن الاتباع القادة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا أى تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا فِيها أى فى النار