ج ٣، ص : ٣٦١
اظهر الضراعة فى القاموس ضرع إليه يثلث ضرعا محركة وضراعة خضع وذل واستكان وَخُفْيَةً قرأ أبو بكر بكسر الخاء والباقون بالضم أى ذوى إخفاء أو مخفين فان الإخفاء دليل الإخلاص وابعد من الرياء اعلم ان الذكر مطلقا عبادة سواء كان جهرا إذا لم يخالطه الرياء أو سرا عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول اللّه تعالى انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وان ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم متفق عليه فان هذا الحديث يفيد ذكر الجهر والخفي كليهما وزعم بعض الناس ان هذا الحديث يدل على افضلية الجهر من الخفي وليس بشئ إذ لا مزية لذكر اللّه عبده فى ملأ على ذكره إياه فى نفسه بل الأمر على العكس ويدرك ذوق هذا الكلام من ذاق كاس العشق وقوله تعالى فاذكروا اللّه كذكركم اباءكم أو أشد ذكرا ليس فيه التشبيه فى الجهر بل فى إكثار الذكر ثم اجمع العلماء على ان الذكر سرا هو الأفضل والجهر بالذكر بدعة الا فى مواضع مخصوصة مسّت الحاجة فيها إلى الجهر به كالاذان والاقامة وتكبيرات التشريق وتكبيرات الانتقال فى الصلاة للامام والتسبيح للمقتدى إذا ناب نائبة والتلبية فى الحج ونحو ذلك ذكر ابن الهمام فى حواشى الهداية ان أبا حنيفة أخذ فى تكبيرات التشريق بقول ابن مسعود انه كان يكبر من صلوة الفجر يوم عرفة إلى صلوة العصر من يوم النحر الحديث رواه ابن أبى شيبة والصاحبان أخذا بقول على رضى اللّه عنه انه كان يكبر بعد الفجر يوم العرفة إلى صلوة العصر من اخر ايام التشريق رواه ابن أبى شيبة وكذا روى محمد بن الحسن عن أبى حنيفة بسنده عنه فقال ابن الهمام من جعل الفتوى على قولهما فقد خالف مقتضى الترجيح فان الخلاف فيه مع رفع الصوت لا فى نفس الذكر والأصل فى الاذكار الإخفاء والجهر به بدعة فإذا وقع التعارض فى الجهر يرجح الأقل ويدل على كون ذاكر السر أفضل ومجمعا عليه
من الصحابة من تبعهم قول الحسن ان بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون فى الدعاء وما يسمع لهم صوتا ان كان الا همسا بينهم وبين ربهم وذلك ان اللّه سبحانه وتعالى يقول ادعوا ربكم تضرعا وخفية وان اللّه ذكر عبدا صالحا ورضى فعله فقال إذ نادى ربه نداء خفيا وأيضا يدل على فضل الذكر الخفي حديث سعد بن أبى وقاص قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفى رواه أحمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقي فى شعب الايمان وحديث أبى موسى قال لما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر اشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير فقال رسول اللّه صلى اللّه


الصفحة التالية
Icon