ج ٤، ص : ٣٧
(مسئله) الفرار من الزحف كبيرة من الكبائر وعلى هذا اكثر أهل العلم وبه قال الائمة الاربعة من الفقهاء لكنهم قالوا ان المسلمين إذا كانوا على شطر من عدوهم لا يجوز لهم ان يفروا وإن كانوا اقل من ذلك جاز لهم ان يولوا ظهورهم ويتجاوزوا عنهم لقوله تعالى الان خفف اللّه عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مأته صابرة يغلبوا مائتين الآية قال عطاء ابن رباح هذه الآية يعنى لا تولوهم الأدبار منسوخة بقوله تعالى الان خفف اللّه عنكم وبحديث ابن عمر قال بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى سرية فحاص الناس حيصة فاتينا المدينة فاختفينا بها وقلنا هلكنا ثم اتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلنا يا رسول اللّه نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون « ١ » وانا فئتكم رواه الترمذي وحسنه وفى رواية أبى داود نحوه وقال محمد بن سيرين لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر رضى اللّه عنهما فقال لو انحاز إلى كنت له فئة وانا فئة كل مسلم ومحمل هذين الحديثين قلة المسلمين من شطر الكفار قال البغوي قال ابن عباس من فرمن ثلثة فلم يفرو من فرمن اثنين فقد فرو قال بعض الناس لا بأس بالفرار مطلقا محتجا بما ذكرنا من حديث ابن عمرو محمد بن سيرين قال أبو سعيد الخدري هذا يعنى النهى عن التولي زحفا فى أهل بدر خاصة ما كان يجوز لهم الانهزام لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان هناك ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين فاما بعد ذلك فان المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهو قول الحسن وقتادة والضحاك وقال يزيد ابن أبى حبيب أوجب اللّه تعالى النار لمن فريوم بدر فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى اللّه عنهم ثم كان يوم حنين بعد فقال ثم وليتم مدبرين ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشآء قلت وهذا القول ردّه اجماع الائمة على ما ذكرنا وما ذكر من الآيات فى يوم
أحد ويوم حنين فهى حجة لنا لا علينا حيث قال اللّه تعالى انما استزلهم الشيطان وقال عفى اللّه عنهم والعفو يقتضى العصيان وكذا قوله تعالى ثم يتوب اللّه يدل على وجود المعصية واللّه اعلم وقد ذكر رسول اللّه صلى اللّه
_________
(١) الكرارون إلى الحرب يقال للرجل يولى عن الحرب لم يكرر اجفا إليها ١٢


الصفحة التالية
Icon