ج ١، ص : ١٥
عن مجاهد وادعى المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه (من الامة المرحومة التي لا يدرى أولها خير أم آخرها ولعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا) ان اللّه تعالى اظهر عليه تأويل المقطعات واسرارها لكنها مما لا يمكن بيانها للعامة فانه ينافى كونها سرّا من اسرار اللّه تعالى واللّه تعالى أعلم - وقيل انها اسماء اللّه تعالى أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردوية في الأسماء والصفات عن ابن عباس وسنده صحيح - وروى ابن ماجة عن على رضى اللّه عنه انه كان يقول يا كهيعص اغفر لى - وعن الربيع بن أنس كهيعص معناه من يجير ولا يجار عليه - وقيل انها اسماء القرآن أخرجه عبد الرزاق عن قتادة قالوا ولذلك أخبر عنها بالكتاب والقران قلت ان كانت اسماء للّه تعالى كانت دالة على بعض صفاته تعالى - كسائر اسماء الصفات - وكذا ان كانت اسماء للقران كانت دالة على بعض صفات القرآن كما ان لفظ القرآن والفرقان والنور والحيوة والروح والذكر والكتاب تدل على صفة من صفاته - وعلى كلا التقديرين فدلالة تلك الألفاظ ليست مما يفهمه العامة بل هى مختصة بفهم المخاطب ومن شاء اللّه تعالى تفهيمه - والحكم بانها من اسماء اللّه تعالى لا يتصور الا بعد فهم معناها - فهذان القولان على تقدير صحتهما راجعان إلى ما حققناه انها اسرار بين اللّه تعالى وبين رسوله صلى اللّه عليه وسلم لا يفهمه غيره الا من شاء اللّه من كمل اتباعه وكذلك قوله تعالى - يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ - وقوله تعالى - الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - وهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ - ونحو ذلك مما يستحيل حملها على ظواهرها التي تتبعها الذين في قلوبهم زيغ من المجسمة - فان كلا منها تدل على صفة من صفات اللّه تعالى بحيث فهمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبعض الكمل من اتباعه - وتوضيح
ذلك ان للّه تعالى صفاتا غير متناهية « ١ »
_________
(١) قال البغوي انه قال ابن عباس قالت اليهود أتزعم انا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ثم تقول وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فانزل اللّه هذه الآية يعنى كلمات علمه وحكمته تعالى غير متناهية ومن هاهنا قال العلماء معلومات اللّه تعالى غير متناهية وكما ان علومه تعالى غير متناهية وان كان ذلك اللاتناهى بعدم تناهى تعلقاتها - فكذلك جزئيات سائر صفاته تعالى غير متناهية وأيضا حصر الصفات فيما يعلمه الناس ممنوع كيف وما ذكر فى المتن من الحديث الصحيح يدل على ان من أسمائه تعالى ما استأثر بعلمه لم يعلّمه أحدا من خلقه فمن الجائز ان يعلم اللّه سبحانه رسوله من أسمائه وصفاته بالمقطعات ما لم يعلمه قبله غيره - عدم تناهى الصفات انما هو بمعنى عدم تناهى تعلقاتها وحمل الكلمات على الصفات مستبعد كل البعد ولا يجب وضع اللفظ بإزاء كل تعلق تعلق حيث يقدح تناهيها في ادراك الصفات بل اللفظ انما يوضع بإزاء معنى كلى تنطبق على جزئيات غير متناهية - ثم عدم وضع اللفظ بإزاء معنى من المعاني لا يوجب عدم درا ذلك المعنى لجواز ان يتصور المعنى من غير توسط اللفظ ولا امتناع التصور بالكنه يوجب عدم اللفظ إذ التصور بالوجه كاف - ان كان استفادة العلم الضروري بهذه الحروف بطريق الدلالة الوضعية عاد الاشكال بأصله إذ تلك الدلالة ليست موجودة لانها ليست بوضع العرب مع ان القرآن عربى وان كان لا بطريق الدلالة الوضعية بل بمجرد المقابلة ولزوم الروية يلزم الدرك من الحروف ما لها وضع وكلا الشقين محال قلت واضع الأسماء واللغات كلها هو اللّه سبحانه دون الناس - وكان ابتداء التعليم من اللّه سبحانه بالإلهام أو البيان والا يلزم التسلسل فعلى هذا يمكن ان يكون هذه الحروف المقطعات في
علم اللّه تعالى موضوعة للمعانى دالة عليها بالوضع فالهم اللّه سبحانه نبيه صلى اللّه عليه وسلم معنى تلك الحروف وصفتها كما الهم آدم عليه السلام معانى سائر الأسماء - منه رحمه اللّه [.....]


الصفحة التالية
Icon