ج ١، ص : ١٧
ما يتركب منه - وفيه لطائف الإيراد ووجوه الاعجاز - كذلك المراد من تلك الحروف إجمال للقرآن وعيون فوارات واسرار بين اللّه وبين رسوله لا يطلع عليه أحد الا المخاطب أو من في معناه واللّه سبحانه اعلم -.
ذلِكَ الْكِتابُ - أى هذا الكتاب الذي يقرأه محمد صلى اللّه عليه وسلم ويكذّب به المشركون فالمشار إليه ما سبق نزوله من القرآن على سورة البقرة أو القرآن كله الذي سبق بعضه فذلك مبتدأ والكتاب خبره أى الكتاب المعهود الموعود - أو الكتاب الكامل الذي يستأهل ان يسمى كتابا - أو صفة وخبره ما بعده - وقيل هذا فيه مضمر أى هذا الذي يوحى إليك ذلك الكتاب الذي وعدنا انزاله في التورية والإنجيل - أو وعدناك من قبل بقولنا - إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا - فذلك خبر مبتدأ محذوف والكتاب صفته - والكتاب مصدر بمعنى المكتوب واصل الكتب الضم والجمع يقال للجند كتيبة لاجتماعها سمى به لأنه قد جمع في الكتاب حرف إلى حرف - أو لأنه مما يكتب - والاشارة بذلك وهى للبعيد تعظيما لشأنه لا رَيْبَ فِيهِ لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب فيه العاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحيا - وقيل خبر بمعنى النهى أى لا ترتابوا فيه - ولا لنفى الجنس وفيه خبره - أو فيه صفته وللمتقين خبره وهدى نصب على الحال - أو الخبر محذوف كما في لا ضير - وفيه خبر هدى قدم عليه لتنكيره والتقدير لا ريب فيه فيه هدى والاولى ان يقال انها جمل متناسقات يقرر اللاحقة السابقة ولذا لم يعطف - ف ذلِكَ الْكِتابُ ملة تفيد انه الكتاب المنعوت بغاية الكمال حيث لا رَيْبَ فِيهِ - وكذا قوله هُدىً لِلْمُتَّقِينَ - قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء ضمير الغائب قبلها ساكن يشبعها وصلا بالياء ان كان الساكن ياء والا بالواو نحو منه كما يشبع القراء كلهم كل هاء قبلها متحرك مكسور ياء نحو به أو غير مكسور واوا نحو يضربه له ما لم يلقها ساكن فإذا لقيها ساكن سقط مدة الإشباع لاجتماع الساكنين اجماعا - نحو عليه الكتب وله الحكم غير ان الكلمة إذا كانت ناقصة حذف آخرها لاجل الجزم نحو يؤدّه ونولّه - ونصله - فالقه - ويتّقه - ويأته - ويرضه وبقي ما قبل الهاء متحركا
ففيها خلاف القراء نذكرها في مواضعها ان شاء اللّه تعالى فقرا بعضهم بالإشباع نظرا إلى تحرك ما قبلها وبعضهم بالاختلاس نظرا إلى كون الحركة عارضية وتنبيها على الحرف المحذوف وبعضهم بالسكون لحلوله محل المحذوف هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) أى هو هدى فهو جملة ثالثة يؤكد كونه حقا لا ريب فيه - أو يكون كل جملة منها يستتبع السابقة اللاحقة استتباع الدليل للمدلول فانه لما كان بالغا حد الكمال