ج ٥، ص : ٩
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لنفسه فان قوله تعالى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وعد من اللّه تعالى حَقًّا مصدر مؤكد لغيره وهو ما يدل عليه وَعْدَ اللَّهِ... إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ بالحياة الدنيا - قرأ العامة إِنَّهُ بالكسر على الاستيناف - وقرا أبو جعفر بالفتح على معنى لأنه وهو تعليل لقوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً - فانه لما كان المقصود من الإبداء والاعادة مجازاة المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة - ويجوز ان يكون منصوبا بما نصب وعد اللّه أو مرفوعا بما نصب حقّا ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد إهلاكه بالحياة الاخرى لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ أى بعدله - أو بعدالتهم وقيامهم على العدل فى أمورهم - أو بايمانهم لأن الايمان عدل قويم كما ان الشرك ظلم عظيم - وهو أوجه لمقابلة قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ ماء بالغ نهاية الحرارة وَعَذابٌ أَلِيمٌ أى مؤلم بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٣) معناه وليجزى الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم - لكنه غير النظم للمبالغة فى استحقاقهم العذاب والتنبيه على ان المقصود بالذات من الإبداء والاعادة انما هو الاثابة وانه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه - واما تعذيب الكفار فهو واقع بالعرض كأنَّه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشوم أفعالهم -.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً قرأ قنبل ضئاء وبضئآء هاهنا وفى الأنبياء والقصص على القلب - بتقديم اللام على العين - والباقون بياء منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها وهمزة متطرفة - وهو مصدر كقيام - أو جمع ضوء كسياط جمع سوط والمضاف محذوف أى ذات ضياء وَالْقَمَرَ نُوراً أى ذات نور - والنور أعم من الضوء فانه أقوى افراد النور - وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ والضمير لكل واحد أى قدر مسير كل واحد منهما منازل - أو قدر كل واحد منهما ذا منازل - أو للقمر وتخصيصه بالذكر لمعائنة منازله واناطة احكام الشرع من الصوم والزكوة والحج به - ولذلك علله بقوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ يعدّ الأشهر المنوطة بسير القمر وَالْحِسابَ أى حساب الأوقات من الأشهر والأيام فى معاملاتكم وتصرفاتكم ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ