ج ٥، ص : ١٩
فانه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ أى لينة الهبوب الموصلة إلى المقصود وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها جواب إذا والضمير للفلك أو للريح الطيبة بمعنى تلقاها رِيحٌ عاصِفٌ ذات عصف أى شدة الهبوب وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ وهو ما علا من الماء لشدة الريح مِنْ كُلِّ مَكانٍ يجيء منه وَظَنُّوا لم يقل أيقنوا لأن اليقين لا يتصور فيما يكون فى المستقبل بمجرد القرائن أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يعنى أحاط بهم الموج والمهلكات بحيث لا سبيل إلى الخلاص كمن أحاط به العدو دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ٥ أى أخلصوا فى الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى اللّه وكانت العرب لا يدعون فى الشدائد الا اللّه تعالى وقوله دَعَوُا اللَّهَ بدل اشتمال من ظنوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم لَئِنْ أَنْجَيْتَنا يا ربنا مِنْ هذِهِ الريح العاصف لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) هذه الجملة الشرطية اما على ارادة القول أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول وليس الكون فى الفلك غاية للتسيير بل مضمون الجملة الشرطية بعد حتى بما فى حيزها كانّه قيل حتى إذا كان كيت وكيت مجيء الريح وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالانجاء.
فَلَمَّا أَنْجاهُمْ اجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ يعنى فاجئوا وسارعوا إلى ما كانوا عليه من البغي أى الظلم على الناس والتجاوز عن حدود الإباحة إلى الفساد فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أى مبطلين فيه تأكيد لقوله يبغون فان البغي لا يكون متلبسا « ١ » بالحق وفيه دفع لتوهم تخريب المسلمين ديار الكفار وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فانها بإذن اللّه تعالى ليجزى الفاسقين ويهديهم إلى الصلاح يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فان وباله راجع عليكم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم واسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عائشة وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهى راجعة على صاحبها البغي والمكر والنكث رواه أبو الشيخ وابن مردوية فى التفسير والخطيب عن أنس وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما رواه ابن لال عن أبى هريرة مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا
_________
(١) في الأصل ملتبسا.