ج ٥، ص : ٢٣
قَتَرٌ أى غبرة فيها سواد كذا روى ابن أبى حاتم وغيره عن ابن عباس وابن مسعود وَلا ذِلَّةٌ أى هو ان كما يرهق أهل النار أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) دائمون فيها لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها -.
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها عطف على قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى على مذهب من يجوز فى الدار زيد والحجرة عمرو أو هو مبتدا خبره جزاء سيّئة تقديره جزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أى نجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها وجاز ان يكون خبره كَأَنَّما أُغْشِيَتْ أو أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ وما بينهما اعتراض وقوله جزاء سيئة مبتدا خبره محذوف أى جزاء سيئة واقع أو مقدر بمثلها أو الخبر بمثلها على زيادة الباء وَتَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ هو ان ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ من زائدة يعنى مالهم أحد يعصمهم من سخط اللّه أو مالهم أحد من جهة اللّه أو من عنده من يعصمهم من عذاب اللّه كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً جمع قطعة مفعول ثان لاغشيت مِنَ اللَّيْلِ صفة لقطعا مُظْلِماً حال من الليل والعامل فيه أغشيت لأن العامل فى موصوفه عامل فيه أو معنى الفعل فى من الليل وقرا ابن كثير والكسائي ويعقوب قطعا ساكن الطاء أى بعضا كقوله تعالى بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وعلى هذا يصح ان يكون مظلما صفة لقطعا أو حال منه أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) احتجت المعتزلة بهذه الآية على خلود اصحاب الكبائر فى النار وردّ قولهم بان السيئات يعم الصغائر والكبائر والكفر فلو كانت الآية على عمومها لزم خلود اصحاب الصغائر أيضا ولم يقل به أحد وأيضا يأبى عنه قوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها فانه يقتضى ان يكون جزاء الكبائر دون الكفر فوق الصغائر فلا يتصور الحكم بالخلود على العموم فمرجع الاشارة ليس الذين كسبوا السيئات على العموم بل بعضهم وهم الكفار كما فى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ بعد قوله وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ وجاز ان يقال المراد بالذين كسبوا السيئات الكفار لأن الذين أحسنوا يتناول التفسير
المظهري، ج ٥، ص : ٢٤
اصحاب الكبائر من أهل القبلة فان الايمان رأس الحسنات فلا يتناولهم قسيمه ويمكن ان يقال المراد بالذين كسبوا السيئات الموجودون « ١ » فى زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم - والمؤمنون الموجودون فى ذلك الزمان كانوا اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عدول كلهم بالإجماع ما كسب أحد منهم سيّئة إلا تاب وغفر والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فالمسئ فى ذلك الزمان لم يكن الا كافرا واللّه اعلم -.
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعنى الفريقين ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أى الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما نفعل بكم أَنْتُمْ تأكيد للضمير المنتقل إلى قوله مكانكم من عامله المحذوف اعنى الزموا وَشُرَكاؤُكُمْ عطف على الضمير المذكور يعنى الأوثان فَزَيَّلْنا أى فرقنا بَيْنَهُمْ يعنى قطّعنا الوصل الّتي كانت بينهم فى الدنيا حتّى تبرّا كل معبود من دون اللّه ممن عبده وقيل معناه ميّزنا بينهم وبين المؤمنين كما فى قوله تعالى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ... وَقالَ لهم شُرَكاؤُهُمْ يعنى الأصنام ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) بطلبنا منكم العبادة ينطق اللّه بذلك الأصنام فيشافههم بالتبرّى مكان الشفاعة الّتي كانوا يرجون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح فانهم ما أمروا بها ولا رضوا بها فإذا قالت المعبودون بالباطل ذلك - قالت الكفار بلى كنا نعبدكم فيقول الأوثان.
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فانه هو العالم بكنه الأشياء إِنْ كُنَّا مخففة من الثقيلة يعنى انّا كنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ إيانا لَغافِلِينَ (٢٩) اللام هى الفارقة وجاز ان يكون ان نافية واللام بمعنى الا يعنى ما كنا الا غافلين عن عبادتكم لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.
هُنالِكَ أى فى ذلك المقام تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ أى تختبر وتعلم ما قدمت من عمل فيعائن نفعها « ٢ » وضررها قرأ حمزة والكسائي تتلوا بالتائين الفوقانيتين من التلاوة أى تقرأ صحيفتها أو من العلو أى تتبع عملها فتقودها إلى الجنة أو إلى النار وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ أى إلى حكمه أو إلى جزائه إياهم بما اسلفوا مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أى ربهم ومتولى أمورهم على الحقيقة لا ما اتخذوه اولياء فان
_________
(١) فى الأصل الموجود [.....]
(٢) فى الأصل نفعه وضرره -