ج ٥، ص : ٥٦
فيكون الاستثناء متصلا - والمعنى ما أمن « ١ » أحد من أهل قرية عاصية قبل معائنة العذاب الأخروي حالة الغرغرة الا قوم يونس فانهم أمنوا قبل حالة الغرغرة وقبل رؤية العذاب الأخروي لَمَّا آمَنُوا فى حالة الاختيار قبلنا منهم الايمان أخرج ابن مردوية عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فى هذه الآية قال لما أمنوا دعوا وكَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ فى الدنيا إِلى حِينٍ (٩٨) أى وقت معين معلوم عند اللّه تعالى وهو وقت اجالهم - وقال البغوي تأويل هذه الآية انه لم يكن قرية امنت عند معائنة العذاب فنفعها إيمانها فى حالة البأس الا قوم يونس - فانهم نفعهم ايمانهم فى ذلك الوقت - ثم قال واختلفوا فى انهم هل رأوا العذاب عيانا اولا - فقال بعضهم راوا دليل العذاب والأكثرون على انهم راوا العذاب عيانا - بدليل قوله تعالى كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ - والكشف يكون بعد الوقوع - وكلام البغوي هذا يفيد ان الايمان فى حالة العذاب الدنيوي لا يقبل ولم يقبل الا من قوم يونس وتسمى تلك الحالة حالة البأس - والصحيح ان المراد برؤية العذاب الأليم المانع من قبول الايمان رؤية العذاب الأخروي عند حضور الموت حين يرى ملائكة الموت - الا ترى ان الكفار عذبوا يوم بدر بالعذاب الدنيوي من القتل والاسر وغير ذلك ثم أمن بعض من بقي منهم حيّا - وكذا كان حال قوم يونس انهم أمنوا قبل رؤية العذاب الأخروي فقبل اللّه تعالى ايمانهم بعد ما رأوا العذاب فى الدنيا - ثم لما أمنوا كشف اللّه عنهم عذاب الخزي فى الحيوة الدنيا واما ايمان فرعون فلم يقبل اما لكونه عند الغرغرة واما لعدم خلوصه إلى قلبه بسبب دعاء موسى اشدد على قلوبهم - وقد كان من عادة فرعون وقومه انهم كلّما وقع عليهم الرجز قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ
لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ وكان كلّما كشف اللّه عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ فلعله أمن فرعون حينئذ أيضا بلسانه دون قلبه فلم يقبل منه - وقد ذكرنا مسئلة قبول التوبة قبل خالة الغرغرة فى سورة النساء فى قوله تعالى إِنَّمَا « ٢ » التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ الآية وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ الآية (قصة يونس عليه السلام) على ما ذكره البغوي عن ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم ان قوم يونس كانوا بنينوى من ارض الموصل - فارسل اللّه تعالى إليهم
_________
(١) فى الأصل ما امنت -
(٢) وفى الأصل انّما التوبة على الذين إلخ -