ج ٥، ص : ٩١
فتخصيص عوج من العمومات القاطعة لا يجوز الا بقاطع ولم يوجد والقصة يأبى عنه العقل والنقل -.
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ الفاء لتفسير النداء رَبِّ إِنَّ ابْنِي يعنى كنعان مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ لا خلف فيه وعدت ان تنجى أهلي فماله لم ينج - ويجوز ان يكون هذا النداء قبل الغرق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) لانك أعلمهم واعدلهم ولا يجوز خلف فى حكمك وقد حكمت بهلاك قوم ونجاة أهلي - أو المعنى انك اكثر حكمة من ذوى الحكم والحكمة.
قالَ اللّه تعالى يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لقطع الولاية بين المؤمنين والكفار إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفى كونه من اهله - قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم على الفعل الماضي وغير بالنصب على المفعولية أى عمل الشرك والتكذيب - والباقون بفتح الميم والتنوين على انه مصدر مرفوع وهو خبران على حذف المضاف ونقل إعرابه إلى المضاف إليه - تقديره انه ذو عمل غير صالح وفيه مبالغة حيث جعل ذاته ذات العمل - أو المعنى ان سوالك إياي بانجائه عمل غير صالح فَلا تَسْئَلْنِ يا نوح - قرأ نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون المشددة على ان أصله تسئلنّنى بالنون المشددة ونون الوقاية فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت المشددة الياء ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة - وقرا ابن كثير كذلك الا انه يفتح النون المشددة وليس فى هذه القراءة نون الوقاية ولا ياء المتكلم الضمير المنصوب - وقرا الباقون بإسكان اللام وكسر نون الوقاية وتخفيفها وحذف الياء واثبت أبو جعفر وأبو عمرو وورش ويعقوب الياء فى الوصل فقط ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اصواب هو أم خطاء سمى نداءه سوالا لتضمنه ذكر الموعد بنجاة اهله المشعر باستنجازه فى شأن ابنه أو استفسارا لمانع للانجاز فى حقه وسماه جهلا وزجر عنه بقوله إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر - أبو محمّد أبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) لأن استثناء من سبق عليه القول من اهله قد دل على الحال وأغناه عن السؤال - قال البغوي اختلفوا فى هذا الابن - قال مجاهد والحسن كان ولد خبث من غير نوح ولم يعلم بذلك نوح ولذلك قال ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ - وقرا الحسن فخانتاهما - وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام كان ابن امرأته ولذلك قال من أهلي ولم يقل منى - وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون التفسير
المظهري، ج ٥، ص : ٩٢
انه كان ابن نوح من صلبه - قال ابن عباس ما بغت امراة نبى قط وقوله إِنَّهُ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أى من أهل دينك لأنه كان كافرا - وقوله فَخانَتاهُما أى فى الدين والعمل لا فى الفراش - وقوله إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يعنى ان تدعو بهلاك الكفار ثم تسئل نجاة كافر - وقال الشيخ أبو منصور كان ابن نوح منافقا لا يعلم نوح بكفره والا لا يحتمل ان يقول نوح إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ويسئل نجاته وقد سبق من اللّه النهى عن سوال مثله - بقوله. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ - فاعلمه اللّه تعالى إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ - وفى قول أبى منصور هذا نظر فان قوله تعالى يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ صريح فى كونه مجاهرا بالكفر واللّه اعلم.
قالَ نوح رَبِّ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ فيما يستقبل ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أى ما لا علم لى بصحته وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي سوالى بنجاة الكافر بعد النهى عنه بخطاء فى الاجتهاد وَتَرْحَمْنِي بالتوبة والعصمة والتفضل علىّ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) أعمالا -.
قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ أى انزل من السفينة بِسَلامٍ مِنَّا أى مسلّما من المكاره من جهتنا - أو مسلّما عليك وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ البركة الخير النامي - والمراد بالبركات مراتب قرب اللّه تعالى ورحمته وفضله وكثرة ذريته وبقاؤهم إلى يوم القيامة وكون الأنبياء منهم والصالحين وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ من للبيان والمراد بالأمم الذين كانوا معه فى السفينة لانهم كانوا جماعات أو لتشعّب الأمم منهم - أو لابتداء الغاية أى على امم ناشية من معك قال محمّد بن كعب دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة - فان قيل قوله تعالى وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يدل على حصر البقاء فى ذرية نوح دون من معه فى الفلك - قلنا كان معه فى الفلك بنوه « ١ » الثلاثة فالمعنى على امم تنشا ممّن معك من ابنائك وَأُمَمٌ مبتدا حذف خبره يعنى وممّن معك امم لا بركة عليهم بل سَنُمَتِّعُهُمْ فى الدنيا بما كتبنا لهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) فى الاخرة لاجل كفرهم وقيل المراد بهم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب عذاب الدنيا.
تِلْكَ يعنى قصة نوح مرفوع على الابتداء خبره مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أى ما غاب عنك يعنى بعضها
_________
(١) فى الأصل بنيه -
التفسير المظهري، ج ٥، ص : ٩٣
نُوحِيها الضمير للانباء خبر ثان أو حال من الانباء أو هو الخبر ومن انباء متعلق به أو حال من الضمير المنصوب فيه إِلَيْكَ يا محمّد ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا هذا خبر اخر أى مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك أو حال من الضمير المنصوب فى نوحيها - أو من الضمير المجرور فى إليك أى جاهلا أنت وقومك بها - تنبيه على كونه معجزة فانه لم يتعلمه الا من اللّه تعالى - فانه لم يخالط غير قومه وقومه مع كثرتهم لما لم يسمعوه فكيف بواحد منهم فمطابقة هذا النبا بالكتب المنزلة المتقدمة دليل واضح على نبوته صلى اللّه عليه وسلم فَاصْبِرْ بعد ظهور أمرك على تبليغ الرسالة وما يلقاك أذى من الكفار كما صبر نوح إِنَّ الْعاقِبَةَ فى الدنيا بالظفر وفى الاخرة بالفوز لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) عن الشرك والمعاصي الجملة تعليل للصبر وعدم الجزع والاستعجال -.
وَإِلى عادٍ عطف على قوله إلى نوح يعنى وأرسلنا إلى عاد أَخاهُمْ فى النسب هُوداً عطف بيان قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠) على اللّه باتخاذ الأوثان شركاء له فى العبادة وجعلها شفعاء.
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أى على تبليغ الرسالة أَجْراً يمنعكم ثقل ادائه عن قبول الرسالة - أو يبعثنى طمعه على الكذب إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها - يعنى ما ثوابى إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أى خلقنى قرأ نافع والبزىّ بفتح الياء والباقون بإسكانها أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) أى أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا ان من هذا شأنه يجب تصديقه.
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يعنى اطلبوا منه تعالى مغفرة ما سلف منكم من الشرك والمعاصي. وذلك بالإسلام فان الإسلام يهدم ما كان قبله - رواه مسلم عن عمرو بن العاص فى حديث مرفوع ثُمَّ تُوبُوا أى ارجعوا إِلَيْهِ أى إلى ربكم بطاعته وترك عبادة غيره يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً كثير الدر أي السيلان وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ أى يضاعف قوتكم وذلك ان اللّه حبس عنهم المطر ثلاث سنين - واعقم أرحام نسائهم كما ذكرنا القصة فى سورة الأعراف - فقال لهم هو دان تستغفروا ربكم وتوبوا إليه يرسل « ١ » اللّه
_________
(١) فى الأصل أرسل -


الصفحة التالية
Icon