ج ٥، ص : ١١٩
فى صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فانهم يفارقون عن الجنة ايام عذابهم فان التأبيد من مبدا معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء وهؤلاء وان شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بايمانهم - ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله تعالى فمنهم شقى وسعيد تقسيما صحيحا لأن من شرطه ان يكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه - لأن ذلك الشرط انما يكون فى الانفصال الحقيقي أو مانع الجمع والمراد هاهنا منع الخلوّ - والمعنى ان أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين ولا يخرج حالهم عن الشقاوة والسعادة وذلك لا يمنع اجتماع الامرين فى شخص باعتبارين انتهى - وقيل ما شاء هاهنا بمعنى من شاء والمراد بهم أيضا عصاة المؤمنين فى الاستثنائين - ومرجع هذا القول إلى القول الثاني وقيل المستثنى فى الفريقين زمان توقفهم فى الموقف للحساب لأن الظاهر يقتضى ان يكونوا فى النار أو فى الجنة حين يأتى اليوم - أو مدة لبثهم فى الدنيا والبرزخ ان كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم - وعلى هذا التأويل يحتمل ان يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت فى كلام البيضاوي المذكور سابقا - وقيل هو استثناء من قوله تعالى لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - وقال السيوطي فى البدور السافرة أشبه الأقوال بالصواب انه ليس باستثناء وانما الا بمعنى سوى كما تقول لك علىّ الف درهم الا الألفان القديمان أى سوى الألفين - والمعنى خالدين فيها مدة دوام السموات والأرض فى الدنيا سوى ما شاء ربك من الزيادة عليها مما لا منتهى له - وذلك عبارة عن الخلود - والنكتة فى تقديم ذكر مدة السموات والأرض التقريب إلى الأذهان بذكر المعهود اولا - ثم اردافه بما لا احاطة للذهن به - وقيل الا بمعنى الواو يعنى ما دامت السموات والأرض فى الدنيا وما شاء ربك من الخلود
كقوله تعالى ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا ﴾

يعنى ولا للذين ظلموا - وقال الفراء هذا استثناء استثناه ولا يفعله كقولك واللّه اضربنك الا ان ارى غير ذلك وعزيمتك ان تضربه - فالمعنى الا ما شاء ربك يعنى لو شاء ربك لاخرجهم منها ولكنه لم يشأ - وقال قتادة اللّه اعلم بثنياه إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا قرأ حفص وحمزة وخلف - أبو محمّد والكسائي بضم السين على البناء


الصفحة التالية
Icon