ج ٥، ص : ١٧٠
شيوع دينه وقوة تأثيره فى الناس وتكميله - وقد حقق ذلك المجدد للالف الثاني رضى اللّه عنه فى مكاتيبه - وهذا امر لا يدركه فهم اكثر أهل الكمال فضلا عن غيرهم إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) حين قلن لى أطع مولاتك أو أردن مراودتى عن نفسى لانفسهن - فيه تعظيم لكيدهن واستشهاد بعلم اللّه تعالى عليه - وعلى انه برئ مما اتهمنه ووعيد لهن فى كيدهن - فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة وامراة العزيز.
قالَ لهن ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن والخطب امر يحق ان يخاطب به صاحبه - اما خاطبهن جميعا لانهن راودنه جميعا عن نفسه لهن - أو لانهن قلن أطع مولاتك - واما خاطبهن والمراد امراة العزيز فحسب إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ هل وجدتن منه ميلا إلى إحداكن قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مر اختلاف القراء فيه فيما سبق - أى تنزيه له تعالى وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ أى على يوسف مِنْ سُوءٍ من ذنب وخيانة - قيل ان النسوة اقبلن على امراة العزيز فعزرنها - وقيل خافت امراة العزيز ان يشهدن عليها فاقرت على نفسها وقالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أى ظهر وتبين من حصحص شعره إذا استأصله بحيث يظهر بشرة رأسه - أو ثبت واستقر من حصحص البعير إذا القى مباركه ليناخ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) فى قوله هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي - فلما سمع يوسف ذلك قال.
ذلِكَ الّذي فعلت من رد الرسول إلى الملك كان لِيَعْلَمَ العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فى زوجته بِالْغَيْبِ أى بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول - أى لم اخنه وانا غائب عنه أو هو غائب عنى - أو ظرف أى بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) أى لا ينفذه ولا يسدده بل يظهر الحق ولو بعد حين - أو لا يهدى الخائنين بكيدهم - فاوقع الفعل على الكيد مبالغة - وفى هذا القول تعريض بزليخا فى خيانتها زوجها وتأكيد لامانته - ولذلك عقبه بقوله -.
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي فتح الياء نافع وأبو عمرو وأبو جعفر - أبو محمّد وأسكنها الباقون - تنبيها على انه لم يرد