ج ٥، ص : ١٧٣
كشف لك عنهن النيل - فطلعن عليك من شاطئته لشخب اخلافهن لبنا - فخرج من حماته سبع بقرات عجاف شعث غير مقلّصات البطون ليس لهن ضروع ولا اخلاف - ولهن أنياب واضراس واكف كاكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع - فافترسن السمان افتراس السباع فاكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن وتمششن مخهن - فبينا أنت تنظر وتتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع اخر سود فى منبت واحد وعروقهن فى الثرى والماء - فبينا أنت تقول فى نفسك انّى هذا هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن فى الماء - إذ هبّت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات - فاشتعلت فيهن النار فاحرقتهن فصرن سودا - فهذا ما رايت فانتبهت من نومك مذعورا - فقال الملك واللّه ما شأن هذه الرؤيا (و ان كانت عجيبا) بأعجب مما سمعت منك - فما ترى فى رؤياى أيها الصديق فقال يوسف ارى ان تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا فى هذه السنين المخصبة - وتجعل الطعام فى الخزائن بقصبه وسنبله - ليكون القصب والسنبل علفا للدواب - وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس - فيكفيك من الطعام الّذي جعلته لاهل مصر ومن حولها - ويأتيك الخلق من النواحي للميزة - ويجتمع عندك من الكنوز ما لم « ١ » يجتمع لاحد قبلك - فقال الملك ومن لى بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفينى الشغل فيه -.
قالَ يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أى خزائن طعام ارض مصر وأموالها إِنِّي حَفِيظٌ للخزائن بما لا يستحقها عَلِيمٌ (٥٥) بوجوه مصالحها - وصف يوسف عليه السلام نفسه بالامانة والكفاية وطلب الولاية - ليتوصل بها إلى إمضاء احكام اللّه واقامة الحق وبسط العدل مما يبعث لاجله الأنبياء إلى العباد - لعلمه ان أحدا غيره لا يقوم مقامه فى ذلك - فما كان طلبه الولاية الا لابتغاء وجه اللّه لا لحب الجاه والدنيا - ومن هذا القبيل اشتغال « ٢ » الخلفاء الراشدين بامر الخلافة - ومعارضة علىّ رضى اللّه عنه معاوية فى هذا الأمر - لكونه أحق وأقوى واقدر على نفسه وأقوم على إنفاذ الشرائع - وقال البيضاوي لعل يوسف عليه السلام لمّا راى ان يستعمله الملكفى امر لا محالة اثر ما يعم فوائده ويجل عوائده - وفيه دليل على جواز طلب الولاية والقضاء - واظهار انه مستعد لها
_________
(١) فى الأصل لا يجتمع -
(٢) فى الأصل خلفاء الراشدين