ج ٥، ص : ٢٠٢
من السفل إلى العلو وَخَرُّوا يعنى أبوي يوسف واخوته لَهُ سُجَّداً لم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض انما هو الانحناء والتواضع يعنى تواضعوا ليوسف - وقيل وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحيّة والتعظيم لا على طريق العبادة - وكانت تحيّة الناس يومئذ السجود - وكان ذلك جائزا فى الأمم السابقة فنسخت فى هذه الشريعة - وروى عن ابن عباس انه قال معناه خروا للّه سجدا شكرا بين يدى يوسف والضمير فى له يرجع إلى اللّه - قلت كانّ يوسف جعل قبلة بإذن اللّه تعالى كالكعبة لنا - وكما جعل آدم قبلة للملائكة حين أمروا بالسجود له - وقيل معناه خَرُّوا لَهُ أى لاجل يوسف ولقائه سجد اللّه تعالى شكرا والاول أصح والرفع مؤخر عن الخرور وان قدم لفظا للاهتمام بتعظيمه لهما وَقالَ يوسف عند ذلك يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ الّتي رايتها فى ايام الصبا إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ...
قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا صدقا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي فتح الياء نافع وأبو عمرو وأسكنها الباقون يعنى قد أنعم علىّ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ولم يذكر الجب مع كونه أشد من السجن استعمالا للكرم كيلا يخجل اخوته بعد ما قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ - ولان نعمة اللّه فى إخراجه من السجن أعظم لأن بعد خروجه من الجب صار إلى العبودية والرق وابتلى بمكر النساء - وبعد خروجه من السجن صار ملكا وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ البدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بما شيتهم وكانوا أهل بادية والمواشي مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي فتح الياء ورش وأسكنها الباقون - أى أفسد بيننا بالحسد وجرش من نزغ الرابض الدابة إذا نحنها وحملها على الجري إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ تدبيره لِما يَشاءُ إذ ما من صعب الا وينفذ مشيته به ويتسهل دونها - وقال البغوي ذو لطف - وحقيقة اللطيف الّذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بوجوه المصالح والتدابير الْحَكِيمُ (١٠٠) الّذي يفعل كل شيء فى وقت وعلى وجه يقتضيهما الحكمة - قال البيضاوي روى ان يوسف طاف بابيه عليهما السلام فى خزائنه - فلما دخل خزينة القرطاس قال يا بنى ما اغفاك عندك هذه القراطيس وما كتبت الىّ على ثمان مراحل


الصفحة التالية
Icon