ج ٥، ص : ٢٤٩
ذلك قال مجاهد والشعبي وَاللَّهُ يَحْكُمُ فى خلقه ما يشاء لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يعنى لا راد لقضائه ولا ناقض لحكمه - والمعقّب الّذي يعقّب الشيء ويكر عليه بالابطال - والمعنى انه تعالى حكم للاسلام بالإقبال وعلى الكفر بالادبار وذلك كائن لا مرد له - ومحل لا مع المنفي « ١ » النصب على الحال أى يحكم نافذا حكمه وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) فيحاسبهم فى الاخرة بعد ما يعذبهم بالقتل والاسر والاجلاء فى الدنيا.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أى قبل مشركى مكة مكر كفار الأمم السابقة بانبيائهم والمؤمنين منهم كما مكر هؤلاء لك - والمكر إيصال المكروه إلى أحد من حيث لا يشعر فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً أى عند اللّه جزاء مكرهم وقيل معناه ان اللّه خالق مكرهم جميعا بيده الخير والشر ومن عنده النفع والضرّ فلا يضر مكر أحد أحدا الا باذنه فمكرهم كلا مكر يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ فيجازيه على حسب عمله فهذا هو المكر كله لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ قرأ ابن عامر والكوفيون بصيغة الجمع واهل الحجاز وأبو عمرو الكفر على التوحيد بارادة الجنس لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) أى لمن جزاء الحسنات فى الدار الاخرة من الفئتين - حين يأتيهم العذاب المعهود وهم فى غفلة منه والمؤمنون يدخلون الجنة - وهذا كالتفسير لمكر اللّه بهم.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة وقيل رءوساء اليهود لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ يا محمّد كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الباء زائدة دخلت على الفاعل وشهيدا تميز من النسبة والمعنى كفى شهادة اللّه تعالى بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقى فانه اظهر من الادلة على رسالتى ما يغنى عن شاهد يشهد عليها - وانه تعالى هو الحاكم يوم الجزاء فلا يكون لهم عند اللّه عذر يومئذ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣) عطف على اللّه والمراد مؤمنوا أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وأمثاله - يعنى ويشهد أيضا المؤمنون من أحبار اليهود ولا يضر انكار الكافرين منهم - لأن اقرار من أقر منهم لا تهمة فيه أصلا - واما انكار الكفار منهم فمبنى على الحسد والعناد لاجل المال والجاه - ولاجل هذا التأويل قيل هذه الآية من هذه السورة مدنية وان كانت سائرها مكية وأنكر الشعبي وأبو بشر هذا التأويل - قالا السورة مكية وعبد اللّه بن سلام اسلم بالمدينة - قلت لو سلمنا كون الآية مكية فلا مانع ان يكون المراد بالموصول أهل الكتاب - كانّه ارشاد لكفار مكة بانه ان لم يستيقنوا برسالة محمّد صلى اللّه عليه وسلم فاسئلوا أهل الكتاب سيشهد لكم ثقات منهم - وقال الحسن ومجاهد وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ هو اللّه تعالى والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ والمعنى كفى شهيدا الّذي يستحق العبادة - ومن لا يعلم ما فى اللوح الا هو فتجزى الكاذب منّا - ويؤيده قراءة الحسن وسعيد بن جبير من عنده بكسر الميم والدال على ان من جارة وعلم الكتب على صيغة الفعل الماضي المجهول واللّه اعلم تمت تفسير سورة الرعد عاشر ربيع الثاني سنة الف ومائتين واثنين سنة ١٢٠٢ وسيتلوها سورة ابراهيم عليه السلام ان شاء اللّه تعالى -
_________
(١) فى الأصل مع النفي -