ج ٥، ص : ٢٨٧
فى جلودهم - وقرا عكرمة ويعقوب من قطران على كلمتين منونتين والقطر النحاس والصفر المذاب والان الّذي انتهى حره والجملة حال ثان أو حال من الضمير فى مقرنين وَتَغْشى أى تعلو وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) وخص الوجه فى الذكر لأنه أعزّ موضع فى ظاهر البدن كالقلب فى باطنه ولذا قال تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ - أو لانهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا فى تدبره مشاعرهم وحواسّهم الّتي خلقت فيها لاجله كما تطّلع على الافئدة لانها فارغة عن المعرفة مملوّة بالجهالات.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مجرمة ما كَسَبَتْ اللام اما متعلق بقوله مُقَرَّنِينَ - أو بالظرف المستقر اعنى من قطران أو بقوله تغشى - أو بفعل مقدر يعم ذلك تقديره يفعل ذلك ليجزى - وجاز ان يكون المعنى ليجزى كل نفس مطيعة وعاصية بما كسبت - لأنه إذا بين ان المجرمين يعاقبون باجرامهم علم ان المطيعين يثابون بطاعتهم واللام حينئذ متعلق ببرزوا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) لا يشغله حساب عن حساب - قال السيوطي فى الجلالين يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا لحديث بذلك - وأخرج ابن المبارك وأبو نعيم عن النخعي قال كانوا يرون انه ليفرغ من حساب الناس يوم القيامة فى مقدار نصف يوم يقيل هؤلاء فى الجنة وهؤلاء فى النار - وأخرج ابن المبارك وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا... - ثمّ انّ مقيلهم « ١ » لالى الجحيم - وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال انما هى ضخوة فيقيل اولياء اللّه على الاسرة مع الحور العين ويقيل اعداء اللّه مع الشياطين مقرنين - قلت لكن هذه الآثار تدل على ان المراد نصف نهار الاخرة واللّه اعلم -.
هذا القرآن أو السورة أو ما فيها من الوعظ والتذكير من قوله وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ... بَلاغٌ لِلنَّاسِ كفاية لهم فى الموعظة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ أى ليخوفوا عطف على محذوف أى لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ واللام متعلق بالبلاغ - ويجوز ان يتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به انزل أو تلى - وقيل معنى الآية هذا القرآن انزل لتبليغ الناس احكام اللّه تعالى ولينذروا به وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لانهم
_________
(١) وفى القرآن ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ -