ج ٥، ص : ٣٠١
فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) امر من وقع يقع واللام هاهنا بمعنى إلى يعنى قعوا إلى آدم ساجدين لله تعالى جعل اللّه تعالى آدم قبلة للملائكة كما جعل الكعبة قبلة للناس فكما ان الكعبة انما صارت مسجودة إليها لاجل تجل لله تعالى فيها مختصة بها كذلك آدم عليه السلام -.
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ اما تحقيقا بإدراك المعيّة المذكورة أو تقليدا أو امتثالا لامر العليم الحكيم كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) أكد اللّه سبحانه بتأكيدين للمبالغة فى التعميم ومنع التخصيص - وذكر عن المبرد انه قال أكد بالكل للاحاطة وبأجمعين للدلالة على انهم سجدوا مجتمعين دفعة واحدة وهذا ليس بشيء فانه لو كان كذلك لكان الثاني حالا منصوبا لا تأكيدا مرفوعا.
إِلَّا إِبْلِيسَ فانه لاجل عدم البصيرة لم يدرك المعيّة المذكورة ولم يستدل بان قول الحكيم لا يخلو من الحكمة - قيل الاستثناء منقطع لأن إبليس لم يكن من الملائكة كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فعلى هذا يتصل به قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) أى ولكن إبليس أبى - وقيل الاستثناء متصل وهو كان من الملائكة من صنف منها يسمون بالجن فعلى هذا أبى كلام مستأنف كأنَّه جواب سائل قال هلا سجد.
قالَ اللّه سبحانه يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) يعنى أى شيء عرض لك فى ان لا تكون مع الساجدين إلى آدم مع وجوبه عليك بحكم الحاكم على الإطلاق وظهور فضل آدم واستحقاقه بأخبار العليم الصادق الخلاق.
قالَ إبليس لكمال غباوته لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي أى لا يصلح لى وينافي حال ان اسجد لِبَشَرٍ جسمانى كثيف خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) وهى اخس العناصر وخلقتنى من نار وهى ألطفها وأشرفها - وقد ذكرنا ما يناسب هذا المقام فى تفسير سورة الأعراف -.
قالَ اللّه تعالى فَاخْرُجْ يعنى ان عصيتنى فاخرج مِنْها أى من السماء أو الجنة أو من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) مردود طريد من الخير والكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة - أو انّك ترجم بالشهب ان تقربت السماء وهو وعيد متضمن للجواب عن شبهته وتعريضه على اللّه تعالى بانه لا ينبغى ان يؤمر الفاضل