ج ٥، ص : ٣٤٨
حينئذ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أى بولادة الأنثى له ظَلَّ وَجْهُهُ أى صار دوام النهار كله فان النهار زمان الاغتمام والسرور لاجل المذاكرة واختلاط الناس واما الليل فزمان النوم والغفلة مُسْوَدًّا من الكآبة والحياء من الناس واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) ممتلى حزنا وغيظا فهو يكظمه أى يمسكه ولا يظهره.
يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ أى يستخفى من قومه مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أى من أجل سوء المبشر به مترددا فيما يفعل به أَيُمْسِكُهُ أى يبقيه حيّا عَلى هُونٍ ذل أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أم يخفيه فيه ويدفنه وتذكير الضمير نظرا إلى لفظة ما - قال البغوي ان مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات احياء خوفا من الفقر عليهن وطمع غير الأكفاء فيهن - وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد ان يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم فى البادية - وإذا أراد ان يقتلها تركها حتّى إذا صارت سداسية قال لامها زيّنها حتّى اذهب بها إلى اجمائها وقد حفر لها بئرا فى الصحراء فإذا بلغ بها البئر قال لها انظري إلى هذا البئر فيدفعها من خلفها فى البئر ثم يهيل على راسها التراب حتّى يستوى البئر بالأرض - وكان صعصعة جد الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجّه إلى والد البنت ابلا يحييها بذلك فقال الفرزدق مفتخرا
شعر
وجدي الّذي منع الوائدات فاحيا الوئيد فلم يؤد
أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) حيث يجعلون لمن هو متعال عن الولد أسوأ الفريقين ولا يختارون ذلك لانفسهم ويختارون لانفسهم الذكور نظيره قوله تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى....
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أى الذين يصفون للّه البنات مَثَلُ السَّوْءِ أى صفة السوء وهى الحاجة إلى الولد لبقاء النسل بعد موته واستبقاء الذكور استظهارا بهم وكراهية الإناث ووأدهن خشية إملاق وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق وانه لا اله الا هو والاتصاف بجميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء وغيرها والتنزه عن صفات المخلوقين - قال ابن عباس مثل السوء النار ومثل الأعلى شهادة ان لا اله الا اللّه وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)
التفسير المظهري، ج ٥، ص : ٣٤٩
المتفرد بكمال القدرة والحكمة -.
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ أى يعاجل بالعقوبة النَّاسَ اللام للعهد والمراد بهم الكفار بقرينة المؤاخذة واضافة الظلم إليهم فى قوله بِظُلْمِهِمْ أى بكفرهم وعصيانهم وعبارة البيضاوي تشعر بان المراد بالناس كلهم حيث قال ولا يلزم من عموم الناس واضافة الظلم إليهم ان يكون كلهم ظالمين حتّى الأنبياء عليهم السلام لجواز ان يضاف إليهم لما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم - قلت ويلزم على هذا ان يؤاخذ الناس كلهم بظلم أكثرهم وهذا مردود بقوله تعالى لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى...
ما تَرَكَ عَلَيْها أى على الأرض كناية عما دلّ عليه لفظ الناس والدابة مِنْ دَابَّةٍ اما ان يكون المراد به من دابه ظالمة كما ذكر صاحب المدارك عن ابن عباس - أو يكون المراد من دابة من دواب الأرض غير المؤمنين الصالحين - فانه لا يجوز ان يهلك المؤمنون بظلم الظالمين وذنبهم - الا إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فحينئذ يعذبون معهم لرضائهم بذنبهم أو لتركهم ما وجب عليهم - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان الناس إذا راوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم اللّه بعقابه - رواه ابن ماجة والترمذي وصححه من حديث أبى بكر الصديق وروى أبو داود وجرير بن عبد اللّه بمعناه - واما غير المؤمنين الصالحين من دواب الأرض فجاز ان يهلك بذنب ابن آدم تبعا لهم لأن خلقتها تبع لخلقة الإنسان ونفع وجودها يعود إليهم - حيث قال اللّه تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً - قال قتادة فى هذه الآية ان اللّه تعالى قد فعل ذلك فى زمن نوح فاهلك من على الأرض الا من كان فى سفينة نوح عليه السلام - وروى البيهقي عن أبى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه قال أبو هريرة بلى واللّه حتّى الحبارى لتموت فى وكرها هزلا بظلم الظالم - وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن مسعود قال ان الجعل تعذب فى جحرها بذنب ابن آدم - وقيل معنى الآية لواخذ اللّه اباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل ولم يوجد الأبناء فلم يبق فى الأرض أحد ومن أجل ذلك لم يدع نوح على قومه حتّى علم بالوحى ان اللّه تعالى ان يذرهم لا يَلِدُوا