ج ٦، ص : ٩٢
بلغ الغاية وجاءا وان اجتنانه قال الربيع بن هيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل.
فَكُلِي يا مريم من الرطب وَاشْرَبِي من السرى أو من الرطب وعصيره وَقَرِّي عَيْناً أى طيبى نفسا وارفضى عنك ما أحزنك - عينا تميز من نسبة قرّى يعنى لتقر عينك قبل يعنى؟؟؟ ك واشتقاقه من القرار فان العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه عن النقل إلى غيره ويقال قر اللّه عينك أى صادف فوادك ما يرضيك فيقرك بالنظر إليه من النظر إلى غيره - وقبل أقر اللّه عليه أى أنامها يقال أقر يقر إذا سكن أو من القرّ ضد الحر فان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة - ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ما زائدة أدغمت نون ان الشرطية فيها والنون للتأكيد يعنى فكلّما ترينّ يا مريم ارميا فيسئلك عن شأن ولدك فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أى صمتا كذلك كان ابن مسعود يقرأ يعنى نذرت الرحمن ان امسك عن الكلام في شأنه وغيره مع الاناسىّ - وقال السدى كان في بنى إسرائيل من يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسى - فقيل ان اللّه أمها ان تقول هذا اشارة لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى عليه السّلام فانه قاطع الطعن وقيل أمها ان تقول هذا لقدر نطقا ثم تمسك من الكلام بعده فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) بعد ان أخبرتكم بنذرى يقال كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الانس.
فَأَتَتْ بِهِ أى بعيسى قَوْمَها تَحْمِلُهُ أى حاملة إياه قيل انها ولدت ثم حملته في الحال إلى قومها - وقال الكلبي حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى إلى غار مكثت فيه أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها - ثم حملته مريم إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال يا أماه أبشري فانى عبد اللّه ومسيحه - فلما دخلت على أهلها ومعها صبى راوا وبكوا وخزنوا وكانوا أهل بيت صالحين وقالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) جواب قسم محذوف أى منكرا من فرى الجلد بمعنى الشق ومنه قول الحسان لافرينّهم فرى الأديم أى اشقهم بالهجاء كما يشق الأديم ومنه يستعمل في القرآن كثيرا بمعنى تصنّع الكذب والشرك والظلم قال اللّه تعالى ومن اظلم ممّن افترى على اللّه الكذب - وقال ومن يشرك باللّه فقد افترى اثما عظيما - فان المنكر من الشرك والمعاصي يشق عصمة الرجل وصلاحه - وقيل معناه عظيما عجيبا كأنَّه يفرى العادة أى يقطعها ويشقها - قال وعبيدة كل امر فائق من عجب أو عمل فهو فرىّ - قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في عمر فلم ار عبقريّا يفرى فريه
التفسير المظهري، ج ٦، ص : ٩٣
اى يعمل عمله عجيبا فالقافى العجب.
يا أُخْتَ هارُونَ أخرج ابن أبى حاتم عن السدي انهم عنوا به هارون النبي أخا موسى عليهما السّلام لانها كانت من نسله كما يقال للقيمى يا أخا تميم - وقيل لانها كانت من أعقاب من كان مع هارون النبي في طبقة الاخوة أخرجه ابن أبى حاتم عن علّى بن أبى طلحة - وقال الكلبي كان هرون أخا مريم من أبيها وكان أمثل رجل في بنى إسرائيل روى البغوي عن المغيرة بن شعبة قال شاقدمت نجران سالوق فقالوا انكم تقرءون ياخت هرون وموسى كان قبل عيسى بكذا وكذا - فلمّا قدمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سالته عن ذلك فقال انهم كانوا يسمون بانبيائهم والصالحين من قبلهم - رواه مسلم في الصحيح وقال البغوي قال قتادة وغيره كان هارون رجلا صالحا عابد في بنى إسرائيل روى انه تبع جنازته يوم مات أربعون الفا كلهم يسمى هارون بنى إسرائيل سوى سائر الناس - شبهوها به على معنى انك مثله في الصلاح وليس المراد منه الاخوة في النسب كما قال اللّه تعالى إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أى أشباههم - كذا أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن فتادة وانما شبهوها به تهكما أو لما راو اقبل ذلك عن صلاحها وقيل كان هارون رجلا فاسقا من بنى إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به شتما كذا أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير ما كانَ أَبُوكِ عمران امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ عنّه بَغِيًّا (٢٨) زانية فيه تقرير لكون ذلك منها امرا فريّا فان الفواحش من أولاد الصالحين افحش واعجب.
فَأَشارَتْ مريم إِلَيْهِ أى إلى عيسى ان كلموه قال ابن مسعود لمّا لم يكن لها حجة اشارت إليه ليكون كلامه حجة لها وفي القصة انها لما اشارت إليه غضب القوم وقالوا بئسما فعلت تسخرين منّا قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ كان زائدة كما في قوله تعالى هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا وصلة من قوله فِي الْمَهْدِ أى الظرف المستقر صَبِيًّا (٢٩) حال من المستكن في الظرف - وجاز ان يكون كان تامة أو للدوام كما مرّ في قوله تعالى كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً أو بمعنى صار - والمراد بالمهد حجر امه وقيل هو المهد بعينه - يعنون انه لم نعهد عاقلا كلم صبيّا أى في المهدى صبيا لم يعقل فلم يتكلم بعد قال السدى فلمّا سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع واقبل عليهم وقيل لما اشارت إليه ترك الثدي واتكى على يساره واقبل عليهم وجعل يشير بيمينه و.
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ أشار باضافة نفسه إلى اللّه انه عبد مكرّم ولمّا كان القوم منكرين لذلك أورده بالتأكيد - قال وهب أنا ها زكريا عند مناظرتها اليهود فقال لعيسى النطق بحجتك ان كنت أمرت بها - فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوما