ج ٦، ص : ١٢٥
الكلبي لمّا نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الوحى بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يرواح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه فبراوح « ١ » بين قدميه إذا قام على أحدهما مرة قام على الاخرى مرة) وكان يصلى الليل كله فانزل اللّه تعالى هذه الآية وامره ان يخفف على نفسه فقال.
ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) أى لتتعب في القاموس الشقاء الشدة والعسر وليد وقال الجوهري الشقاوة خلاف السعادة - وكما ان الشقاوة ضربان دنيويّة واخروية كذلك السعادة ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب نفسية وبدنية وخارجية - كذلك الشقاوة على هذه الأضرب - والمراد في هذه الآية الشقاوة الدنيوية البدنية - وهو التعب - وقال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب - وقال البيضاوي الشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رابض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل إليه للاشعار بانه انزل عليه ليسعد - أخرج ابن مردوية عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان أول ما انزل اللّه عليه الوحى يقوم على صدور قدميه إذا صلى - فانزل اللّه طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وأخرج عبد بن حميد عن الربع بن أنس قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا صلّى فام على رجل ورفع اخرى فانزل اللّه طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى - وقيل هذه الآية رد لقول الكفار وتكذيب لهم حين راوا اجتهاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العبادة فقالوا ما انزل القرآن عليك يا محمد الا لشقائك فنزلت هذه الآية وجاز ان يكون مراد الكفار ونسبة الشقاوة إلى اسعد الناس نظرا منهم انه ترك دين الآباء فشقى فرد اللّه عليهم قولهم وبين سعادته بما انزل عليه تذكرة ممن اتصف بصفات الكمال - يدل عليه ما أخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس قال قالوا لقد شقى هذه الرجل بربه فنزلت ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى - وجلا ان يكون سعنى الآية ما أنزلنا عليك القرءان لتتعب وتبخع نفسك لفرطتا
سفك على كفر قومك إذ ليس عليك الّا تبليغهم - وجملة ما أنزلنا خبر طه ان جعلته مبتدأ على انه اوّل بالسورة أو القرآن ولفظ القرآن فيها واقع موقع العائد - وجواب ان جعلته مقسما به - ومناد « ٢ » له ان جعلته منادى واستيناف ان كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ أو طائفة من الحروف محكية.
إِلَّا تَذْكِرَةً استثناء منقطع يعنى لكن تذكيرا - ولا يجوز ان يكون بدلا من محل تشقى لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له لانزلنا لأن الفعل الواحد لا يتعدى إلى العلتين - وجاز ان يكون مستثنى مفرغا
_________
(١) قد راجعت إلى التفسير البغوي فلم أجد فيه العبارة بين القوسين ١٢ الفقير الدهلوي -
(٢) هكذا في الأصل والصحيح منادى له ١٢ التفسير الدهلوي.