ج ٦، ص : ٢٩٤
واما على قول أبى حنيفة فالمشى مع القدرة وإن كان أفضل لكن من شرط المنذور عنده ان يكون من جنسه واجب بايجاب اللّه تعالى من الواجبات المقصودة وليس المشي كذلك ولهم من السنة حديث أنس بن مالك ان النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر ان يمشى قال ان اللّه غنى عن تعذيب هذا نفسه وامره ان يركب متفق عليه وفي رواية لمسلم عن أبى هريرة قال اركب أيها الشيخ فان اللّه غنى عنك وعن نذرك وحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي ان تمشى إلى بيت اللّه فامرتنى ان استفتى بها النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لتمش ولتركب متفق عليه والحجة لاهل المقالة الثانية ان المشي عبادة مقصورة واجبة في طواف الزيارة عند أبى حنيفة رح كما سنذكر فيجب بالنذر والجواب عن استدلالهم بالسنة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم انما امر بالركوب إذا رأى انه لا يطيق المشي كما هو صريح في حديث أنس انه رأى شيخا يهادى بين ابنيه وكذا في قصة اخت عقبة مذكور في رواية أبى داود انها لا تطيق فثبت بهذين الحديثين انه جاز له الركوب إذا لم يطق المشي وذالا يدل على عدم الوجوب بل على جواز الركوب بعذر مسئلة فان ركب بعذر أو بغير عذر لا يجب عليه إعادة الحج ماشيا اجماعا وكان مقتضى القياس على اصل أبى حنيفة ان لا يخرج عن عهدة منذر إذا ركب كما لو نذر بصيام ايام متتابعات وبالصلوة قائما لكنا تركنا القياس لثبوت الرخصة في الركوب بالنص فان قيل الأحاديث المذكورة انما توجب الرخصه لمن لا يطيق على المشي والمطيق على المشي ليس في معناه فلا بد ان لا يخرج المطيق على المشي من العهدة إذا ركب بغير عذر قلنا جوابه بوجهين أحدهما ان احكام الشرع عامة غالبا والغالب في الحج ان لا يطيق على المشي ولذلك قالت العلماء ان الزاد والراحلة في الحج من القدرة الممكنة دون الميسرة فقلنا بالرخصة يؤيد ما قلنا حديث عمران بن حصين قال ما خطبنا
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبة الا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة وقال ان من المثلة ان ينذر الرجل ان يحج ماشيا فمن نذر ان يحج ماشيا فليهد هديا وليركب رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ثانيهما ان ترك الواجب بعذر أو بغير عذر شانهما في اقتضاء القضاء واحد فان كان عبادة مستقلة يقضى ما ترك وان كان جزاء أو شرطا أو وصفا للعبادة لا يتصور قضاؤه بمثل معقول لعدم استقلاله ويتصور قضاؤه بمثل غير معقول كسجدة السهو قضاء لواجبات الصلاة لكن القضاء بمثل غير معقول لا يدرك بالرأى بل يتوقف على الشرع فان ظهر له من الشرع مثل غير معقول تقضى بتلك
المثل ولا يعاد العبادة والإيعاد تلك العبادة ولما لم يدرك للتتابع في الصيام والقيام