ج ٦، ص : ٤٢٠
فقال المحققون من الحنفية ان قوله تعالى فَاجْلِدُوا بيان للحكم الموعود في قوله الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي على قول سيبويه فكان المذكور تمام حكمه والا كان تجهيلا إذ يفهم منه انه تمام الحكم وليس تمامه في الواقع فكان مع الشروع في البيان ابعد من ترك البيان لأنه يوقع في الجهل المركب وذك في البسيط - وجزاء للشرط على قول المبرد فيفيدان الواقع هذا فقط فلو ثبت معه شيء اخر كان مثبتة معارضا لا مثبتا لما سكت عنه وهو الزيادة الممنوعة - وأورد عليه بان الحديث مشهور تلقته الامة بالقبول فيجوز به نسخ الكتاب وأجيب بانه ان كان المراد بالتلقى بالقبول إجماعهم على العمل به فممنوع لظهور الخلاف - وان كان المراد إجماعهم على صحته بمعنى صحة سنده فكثير من اخبار الآحاد كذلك ولا تخرج بذلك عن كونها احادا - فان قيل الآية قطعى السند لكنه ظنى الدلالة لكونه عاما خص منه البعض اجماعا فان الحكم بالجلد مائة مختص بالاحرار والحرائر دون العبيد والإماء - وبغير المحصن عند اكثر الامة - وأيضا دلالتها على كون الحكم الجلد فقط لا غير ظنية مستنبطة بالرأى حتى لم يدر له كثير من الفقهاء واهل العربية - والحديث ظنى السند قطعى الدلالة فتساويا فجاز ان يكون حديث الآحاد ناسخا لحكم الكتاب فلان يجوز به الزيادة على الكتاب اولى - قلنا على تقدير تسليم المساواة سياق حديث عبادة يدل انه أول حكم ورد في الزانيات والزواني حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فالاية عند التعارض ناسخ ليس بمنسوخ - وقد قال الشافعي الجلد المذكور في الحديث في حق الثيب منسوخ فلا مانع من كون التغريب في حق البكر منسوخا بهذه الآية - قال ابن همام ليس في الباب من الأحاديث ما يدل على ان الواجب من التغريب واجب بطريق الحد - فان أقصى ما فيه دلالة قوله التفسير
المظهري، ج ٦، ص : ٤٢١
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وهو عطف واجب على واجب وهو لا يقتضى ذلك بل ما في البخاري من قول أبى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي واقامة الحد ظاهر في ان النفي ليس من الحد لعطفه عليه وكونه مستعملا في جزء مسماه وعطفه على جزء اخر بعيد لا يوجبه دليل وما ذكر من الألفاظ لا تفيد فجاز كون التغريب لمصلحة - (فائدة) وقد يرجح اصحاب الشافعي حديث التغريب بالمعقول حيث قالوا ان في التغريب حسم باب الزنى لقلة المعارف - وعارضه الحنفية بان فيه فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحيى منهم ان كان بها شهوة قوية وقد تفعله لحامل اخر وهو حاجتها إلى معيشتها - ويؤيده ما روى عبد الرزاق ومحمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي قال قال عبد اللّه بن مسعود في البكر يزنى بالبكر يجلد ان مائة وينفيان سنة قال وقال علىّ بن أبى طالب حسبهما من الفتنة ان ينفيا - وروى محمد عن أبى حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم قال كفى بالنفي فتنة - وروى عبد الرزاق عن الزهري عن ابن المسيب قال غرّب عمر ربيعة بن امية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا اغرّب بعده مسلما - (مسئلة) وإذا راى الامام مصلحة في التغريب مع الجلد جاز له النفي عند أبى حنيفة رحمه اللّه أيضا وهو محل التغريب المروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان روى النسائي والترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين والدار قطنى من حديث ابن عمران النبي صلى اللّه عليه وسلم ضرب وغرّب وان أبا بكر ضرب وغرّب وان عمر ضرب وغرّب - وصححه ابن القطان ورجح الدار قطنى وقفه وروى ابن أبى شيبة بإسناد فيه مجهول ان عثمان جلد امراة في زنى ثم أرسل بها إلى خيبر قنفاها - وليس التغريب مقتصرا على الزنى بل يجوز للامام تغريب كل واء إذا راى التفسير
المظهري، ج ٦، ص : ٤٢٢
مصلحة - روى الطحاوي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده عمدا فجلده النبي صلى اللّه عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا أراه سهمه من المسلمين وامره ان يعتق رقبة - وروى سعيد بن منصور ان عمر
بن الخطاب اتى برجل شرب الخمر في رمضان فضرب مائتى سوط ثم سيره إلى الشام - وعلق البخاري طرفا عنه ورواه البغوي في الجعديات وزاد وكان إذا غضب على رجل يسيره إلى الشام وروى البيهقي عن عمر انه كان ينفى إلى البصرة - وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ان عمر نفى إلى فدك - ومن لههنا أخذ مشائخ السلوك رضى اللّه عنهم وعنا الهم يغرّبون المريد إذا بدا عنه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين قلت إذا راى القاضي مسلما يقع في المعاصي بغلبة الشهوة مع الندم والاستحياء يأمره بالغربة والسفر واما من لا يستحيى ولا يندم فنفيه عن الأرض حبسه حتى يتوب واللّه اعلم.
(مسئلة) وإذا كان الزاني والزانية محصنين يرجمان بإجماع الصحابة ومن بعدهم من علماء النصيحة - وأنكره الخوارج لانكارهم اجماع الصحابة وحجية خبر الآحاد وادعائهم ان الرجم لم يثبت من القرآن ولا من النبي صلى اللّه عليه وسلم الا بخبر الآحاد - والحق ان الرجم ثابت من النبي صلى اللّه عليه وسلم بأخبار متواترة بالمعنى كفضل على وشجاعته وجود حاتم وان كانت من الآحاد في تفاصيله صورة وخصوصياته - عن عمر بن الخطاب قال ان اللّه بعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب وكان مما انزل اللّه عليه اية الرجم رجم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجمنا بعده - والرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال أو النساء إذا قامت البينة أو كانت الحبل أو الاعتراف - متفق عليه وروى البيهقي انه خطب وقال ان اللّه تعالى بعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل فيه اية الرجم فقرأناها وو عيناها الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من اللّه واللّه


الصفحة التالية
Icon