ج ٧، ص : ٩٢
كون النبي ﷺ شاعرا ويقرره قوله تعالى
أَلَمْ تَرَ أيها المخاطب أَنَّهُمْ أى الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من اودية الكلام كالمدح والذم والافتخار وبيان الحب والبغض وغيره الك - والوادي نوع من انواع الكلام يقال انا فى واد وأنت فى واد اخر يَهِيمُونَ جملة الم تر تعليل لما سبق والهائم الذاهب على وجهه بحيث لا يقف على حد يعنى يبالغون فى الكلام كل المبالغة لا يبالون الكذب واكثر مقدماتهم خيالية لا حقيقة لها قال قتادة يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل وقيل فى كل واد يهيمون أى على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ أى يكذبون كثيرا فى أشعارهم ولمّا كان اعجاز القرآن من جهة النظم والمعنى وكانوا يقدحون فى المعنى بانه ممّا تنزّلت به الشّياطين وفى اللفظ بانه من جنس الشعر رد اللّه سبحانه قولهم ببيان المباينة والمضادة بين حال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحال الكهنة والشعراء عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبي ﷺ قال لأن يمتلى جوف قيحا حتى يفسده خيرا له من ان يمتلى شعرا رواه البخاري ومسلم واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وروى عن أبى سعيد الخدري قال بينا نحن نسير مع رسول الله ﷺ بالعرج « ١ » إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله ﷺ خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلى جوف رجل قيحا خير له من ان يمتلى شعرا عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه ﷺ هلك المتنطعون « ٢ » قالها ثلاثا. رواه مسلم يعنى الغالون فى الكلام وعن أبى ثعلبة الخشتى ان رسول اللّه ﷺ قال ان أحبكم إلى وأقربكم منى يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وان أبغضكم الىّ وأبعدكم منى مساويكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. رواه البيهقي فى شعب الايمان قال فى النهاية الثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق والمتشدقون المتوسعون فى الكلام من غير احتياط واحتراز قلت وهذا صفة الشعراء وروى الترمذي عن جابر نحوه وفى رواية قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتقيهقون قال المتكبرون وعن أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مررت ليلاة اسرى بي بقوم يقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال خطباء أمتك الّذى يقولون ما لا يفعلون رواه الترمذي
_________
(١) بالعرج قال فى مجمع البحار العرج بفتح فسكون جبل بطريق مكة وهو أول تهامة ١٢ الفقير الدهلوي
(٢) المتنطعون قال فى مجمع البحار هم المتعمقون الغالون فى الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل فى كل تعمق قولا وفعلا ١٢ الفقير دهلوى
التفسير المظهري، ج ٧، ص : ٩٣
وقال هذا حديث غريب والله اعلم أخرج ابن أبى حاتم عن عروة قال لما نزلت والشّعراء يتّبعهم الغاوون إلى قوله ما لا يفعلون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله انى منهم فانزل الا الّذين أمنوا إلى اخر السورة وأخرج هو وابن جرير والحاكم عن أبى الحسن البراد « ١ » قال لما نزلت والشعراء يتّبعهم الغاوون الآية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فقالوا يا رسول الله والله لقد انزل الله هذه الآية وهو يعلم انا شعراء هلكنا فانزل اللّه الّا الّذين أمنوا الآية فدعاهم رسول الله ﷺ وتلا عليهم
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً « ٢ » أى لم يشغلهم الشعر عن الإكثار فى الذكر ويكون اكثر أشعارهم فى الذكر والتوحيد والثناء على الله والحث على طاعته قال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ولو كان فى كلامهم هجو لاحد أرادوا به الانتصار مما هجاهم ومكافحة هجاء المسلمين روى البغوي فى شرح السنة والمعالم عن كعب بن مالك انه قال للنبى صلى اللّه عليه وسلم ان الله تعالى قد انزل فى الشعر ما انزل قال النبي ﷺ ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والّذى نفسى بيده لكانّما ترمونهم به نضح النبل. وفى الاستيعاب لابن عبد البر انه قال يا رسول الله ماذا ترى فى الشعر قال ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وروى البغوي عن أنس ان النبي ﷺ دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفى حرم الله يقول الشعر فقال النبي ﷺ خل عنه يا عمر فلمى اسرع فيهم من نضح النبل وفى الصحيحين عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فان جبرئيل معك - وكان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يقول لحسان أجب عنى اللهم أيده بروح القدس - وروى مسلم عن عائشة ان رسول اللّه ﷺ قال اهجوا قريشا فانه أشد عليهم من رشق النبل. وروى عنها أيضا قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول لحسان ان روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللّه ورسوله وقالت سمعت رسول الله ﷺ يقول هجاهم حسان فشفا وأشفي.
وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله ﷺ يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو ينافح ويقول رسول اللّه ﷺ ان
_________
(١) هكذا فى الأصل وفى تهذيب التهذيب أبو الحسن مولى بنى نوفل. أبو محمد عفا اللّه عنه
(٢) عن ابن عباس الّا الّذين أمنوا وعملو الصّلحت وذكروا اللّه كثيرا قال أبو بكر وعمر وعبد الله بن رواحة ١٤ منه رحمة اللّه


الصفحة التالية
Icon