ج ١، ص : ٣٢
تمثيل لحال المنافقين من الحيرة والشدة بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق - أو يقال شبّه المنافقين باصحاب الصيب - والدين القويم والقران بالصيب - وقال - فيه ظلمت - يعنى مانعة من السير عليه وهى المحن والمكاره من العبادات والجهاد وترك الشهوات روى مسلم واحمد والترمذي عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات - وروى الترمذي وأبو داود - والنسائي عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال - لما خلق اللّه الجنة قال لجبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها والى ما أعد اللّه تعالى لاهلها فيها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها - ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لقد خشيت ان لا يدخلها أحد - قال فلما خلق اللّه النار قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها قال فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أى رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها - فحفها بالشهوات ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها - فذهب فنظر إليها فقال أى رب وعزتك لقد خشيت ان لا يبقى أحد الا دخلها - وقال اللّه تعالى - إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ وفيه رعد يعنى آيات مخوفة من عذاب اللّه وبرق يعنى فتوح ومغانم كثيرة يأخذونها فيسهل به السير على الطريق ويدفع ظلمة المكاره أو الحجج الواضحة الداعية إلى السلوك على الطريق المستقيم والمسهلة للمكاره - يجعلون أى المنافقون أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ من أجل الرعد والصّواعق قائلين - لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ - حذر الموت بالمحن والمشقات ان أمنوا - وبالقتال ان جاهدوا كما قال في حالهم - فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ
الْمَوْتِ - أو لانهم يزعمون ان سدهم آذانهم عن سماع آيات العذاب ينجيهم من عذاب اللّه كما ان الأحمق إذا هوله الرعد ويخاف صواعقه يسد آذانه مع انه لا خلاص له منها بسد الاذان وكما ان الإرنب إذا راى صائدا مقبلا ولا يرى منه مفرا يغمض عينيه زعما منه ان عدم رؤيته ينجيه من قتله - وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ لا يفوتهم ما كتب عليهم من المحن والعذاب في الدنيا بالفضيحة وغيرها وفي الاخرة بالعذاب السرمدي - اولا يفيدهم ولا ينجيهم سد الاذان من الآيات المخوفة عن وقوع العذاب كما لا ينجى الأرنب تغميض العين من الصائد بل يعينه عليه - يكاد البرق - أى الفتوح والمغانم وشوكة الإسلام لاجل حرصهم على الدنيا


الصفحة التالية
Icon