ج ٨، ص : ٥١
من جميع خلقه.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ إلى العدم دليل على كونه غنيّا عنكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) بقوم آخرين بدلكم أطوع منكم أو بعالم اخر غير ما تعرفونه.
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) بمتعذر ولا متعسر.
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ أى لا تحمل نفس آثمة وِزْرَ أى ثقل يعنى اثم نفس أُخْرى اما قوله تعالى وليحملنّ اثقالهم وأثقالا مع اثقالهم ففى الضالّين المضلّين فانهم حملوا أثقال ضلالهم مع أثقال ضلال أنفسهم لانهم أضلّوهم فكل ذلك أوزارهم وليس شىء منها من أوزار غيرهم واماما رواه مسلم عن أبى موسى يرفعه انه يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها لهم ويضعها على اليهود والنصارى - وما روى أيضا من وجه اخر بلفظ إذا كان يوم القيامة رفع اللّه إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداك من النار - وروى الطبراني والحاكم وصححه أيضا عن أبى موسى نحو الرواية الاولى وابن ماجة والطبراني أيضا نحو الرواية الثانية وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أنس إذا كان يوم القيامة رفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال هذا فداك من النار فتأويل هذه الأحاديث عندى ان المراد بالذنوب التي توضع على الكفار انهم ارتكبوا بتلك السيئات قبل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وسنّوا سنة سيئة واقتفى المتأخرون اثارهم فى ارتكاب السيئات فلما غفرت سيئات المؤمنين تفضلا من اللّه تعالى بقيت سيات الذين سنوا تلك السنة عليهم مضاعفة لاجل الارتكاب ولاجل إبداع السنة السيئة فالوضع كناية عن ابقاء ما لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ الذي عمل بها فاقتفاه مسلم اللّه اعلم وَإِنْ تَدْعُ نفس مُثْقَلَةٌ أثقلها أوزارها أحدا غيرها إِلى حِمْلِها أى ليتحمل بعض أوزارها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ أى لم تجب تحمل شىء منه نفى اللّه سبحانه ان يحمل عنها غيرها ذنبه كما نفى ان يحمل عليها ذنب غيرها وَلَوْ كانَ أى المدعو دلّ عليه قوله ان تدع ذا قُرْبى أى ذا قرابتها قال البغوي قال ابن عباس يلقى الأب والام ابنهما فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا أستطيع حسبى عملى إِنَّما تُنْذِرُ قال الأخفش معناه انما تنفع بانذارك التفسير
المظهري، ج ٨، ص : ٥٢
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ غائبين عن عذابه أو عن الناس فى خلواتهم أو غائبا عنهم عذابه وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعنى الذين اجتنبوا المعاصي وأتوا بالواجبات خشية من عذاب اللّه هم المنتفعون بانذارك واختلاف الفعلين للدلالة على استمرارهم على ذلك فى جميع الأزمنة وَمَنْ تَزَكَّى أى تطهر من دنس المعاصي فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذ نفعه لها جملة معترضة مؤكدة لخشيتهم وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) فيجازيهم على تزكيته..
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى عن الهدى أى الكافر أو الجاهل وَالْبَصِيرُ (١٩) أى المؤمن والعالم.
وَلَا الظُّلُماتُ أى الكفر وَلَا النُّورُ (٢٠) أى الايمان.
وَلَا الظِّلُّ أى الجنة والثواب وَلَا الْحَرُورُ (٢١) أى النار والعقاب.
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ تمثيل اخر للمومنين والكافرين ابلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل مثل للجهال والعلماء إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ان يهديه فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة فى الاقناط عنهم.
إِنْ أَنْتَ يا محمد إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) تخوفهم بالنار ولا تقدر على هدايتهم.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ حال من الضمير المرفوع أو المنصوب أو صفة لمصدر محذوف أى محقين أو محقّا إرسالا متلبسا بالحق ويجوز ان يكون صلة لقوله بَشِيراً للمؤمنين بالوعد الحق وَنَذِيراً للكافرين بالوعيد الحق وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ من الأمم السالفة إِلَّا خَلا أى مضى فِيها نَذِيرٌ (٢٤) أى نبي أو من ينوبه من العلماء والاكتفاء بالنذير للعلم بان النذارة قرينة للبشارة قد قرن به من قبل أو لأن الانذار لهم فان دفع الضرر أهم من جلب النفع.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد فلا تغتم واصبر على اذاهم كما صبر قبلك من الأنبياء فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أى كفار الأمم الخالية قبل كفار مكة جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ حال من فاعل كذب بتقدير قد بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات الشاهدات على نبوتهم وَبِالزُّبُرِ كصحف ابراهيم وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) كالتوراة والإنجيل على ارادة التفصيل دون الجمع أو المراد بها واحد والعطف لتفائر الوصفين يعنى فصبروا على تكذيبهم.
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا