ج ٨، ص : ١١٨
والحال وفى ذكره دلالة على ان ما ذكر من النعيم لاهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه الافهام وكذلك الزقوم لاهل النار أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن أبى حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لو ان قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا لافسدت على أهل الأرض معاشهم فكيف من يكون طعامه - وأخرج عبد اللّه بن أحمد فى زوائد الزهد وأبو نعيم عن أبى عمران الخولاني فى شجرة الزقوم قال بلغنا ان ابن آدم لا ينهش منها نهشة الا نهشت منه مثلها.
إِنَّا جَعَلْناها أى شجرة الزقوم فِتْنَةً أى محنة وعذابا فى الاخرة أو ابتلاء فى الدنيا لِلظَّالِمِينَ (٦٣) أى الكافرين كانوا يقولون كيف يكون فى النار شجرة والنار تحرق الشجر وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش ان محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر فادخله أبو جهل فى بيته وقال يا جارية زقّمينا فاتتهم بالزبد والتمر فقال تزقموا هذا ما يوعدكم به محمد وأخرج ابن جرير عن قتادة قال قال أبو جهل زعم صاحبكم هذا ان فى النار شجرة والنار تأكل الشجر وانّا واللّه ما نعلم الزقوم الا التمر والزبد فانزل اللّه حين عجبوا ان يكون فى النار شجرة.
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) أى قعر النار وأخرج نحوه عن السدى قال الحسن أصلها فى قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها.
طَلْعُها أى ثمرها سمى طلعا لطلوعه كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبّه بها لقبحه فان الناس إذا وضعوا شيئا بغاية القبح قالوا كأنَّه شيطان وان كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها يتصور فى النفس وقال بعضهم الشياطين حيات هائلة قبيحة المنظر لها اعراف ولعلها سميت بها لذلك وقيل هى شجرة قبيحة مرة منتنة تكون فى البوادي تسميها العرب رؤس الشياطين.
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها أى من الشجرة أو من طلعها الفاء للسببية تعليل لكونه فتنة فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) لغلبة الجوع أو الإكراه على أكلها والملأ حشو الإناء بما لا يحتمل المزيد عليه.
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها أى على أكلها بعد ما ملئوا بطونهم وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ويجوز ان يكون ثم لما فى شرابهم من مزيد الكراهة لَشَوْباً خلطا ومزجا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) متعلق


الصفحة التالية
Icon