ج ٨، ص : ١٣٤
الموصل إلى الحق والصواب لمن يسلكه.
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) سبق مثل ذلك -.
وَإِنَّ إِلْياسَ قرأ ابن ذكوان برواية النقاش عن الأخفش بحذف الهمزة والباقون بتحقيقها لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) عطف على ولقد مننّا روى عن عبد اللّه ابن مسعود قال الياس هو الادريس وفى مصحفه انّ إدريس لمن المرسلين وهذا قول عكرمة وقال الآخرون هو نبى من أنبياء بنى إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع وقال محمد بن إسحاق هو الياس بن بشر بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران عليه السلام وقال أيضا محمد بن إسحاق والعلماء من اصحاب الاخبار لمّا قبض اللّه عزّ وجلّ قبله نبيّا عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل وظهر الشرك ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللّه فبعث اللّه إليهم الياس نبيّا وكانت الأنبياء من بنى إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة - وبنوا إسرائيل كانوا متفرقين فى ارض الشام وكان سبب ذلك ان يوشع بن نون لمّا فتح الشام بوأها بنى إسرائيل وقسمها بينهم فاحل سبطا منهم بعلبك ونواحيها وهم الذين كان منهم الياس فبعثه اللّه إليهم نبيّا وعليهم يومئذ ملك يقال له أجب فداخل قومه واجبرهم على عبادة الأصنام وكان يعبد صنما يقال له بعل وكان طوله عشرون ذراعا ولها اربعة وجوه - فجعل الياس يدعوهم إلى عبادة اللّه عزّ وجلّ وهم لا يسمعون منه شيئا الا ما كان من امر الملك فانه صدقه وأمن به فكان الياس يقوّم امره ويسدّده ويرشده - وكانت لاجب امراة يقال لها ازبيل فكان يستخلفها على رعيته إذا كان غائبا فى غزاة وغيرها وكانت تبرز وتقضى للناس وكانت قتّالة للانبياء يقال هى التي قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام - وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلاث مائة نبى كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم وكانت فى نفسها غير محصنة وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بنى إسرائيل وقتلت كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال انها ولدت سبعين ولدا التفسير المظهري،
ج ٨، ص : ١٣٥
وكان لاجب هذا جار رجل صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويغسلان فيها وكان أجب الملك يحسن جوار صاحبه مزدكى ويحسن إليه وامرأته ازبيل تحسده لاجل تلك الجنينة وتحتال ان تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال ان تقتله والملك ينهاها من ذلك فلم تجد إليه سبيلا - ثم انه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد فطالت غيبته فاغتنمت امرأته ازبيل وأمرت رجالا يشهدوا على مزدكى انه سبّ زوجها أجب فاجابوها إليه وكان فى حكمهم فى ذلك الزمان القتل على من سب الملك فاقامت عليه البينة وأحضرت مزدكى وقالت بلغني انك شتمت الملك فانكر المزدكى وأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فامرت بقتله وأخذت جنينته فغضب اللّه عزّ وجلّ عليهم للعبد الصالح فلمّا قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال ما أحسنت ولا أرانا نفلح بعده فقد جاورنا منذ زمان واحسنّا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت امره بأسوإ الجوار قالت انما غضبت لك وحكمت بحكمك فقال لها ما كان يسعه حلمك فتحفظين له حواره قالت قد كانت ما كانت - فبعث اللّه الياس إلى أجب الملك وقومه فامره ان يخبرهم ان اللّه قد غضب لوليه حين قتلوه ظلما والى على نفسه انهما ان لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة إلى ورثة المزدكى ان يهلكهما يعنى أجب وامرأته فى جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى يتعرى عظامهما من لحومهما ولا يتمتعان بهما الا قليلا قال فجاء الياس فاخبره بما اوحى اللّه إليه فى امره وامر امرأته برد الجنينة فلمّا سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ثم قال له يا الياس ما ارى ما تدعو إليه الا باطلا وما ارى فلانا وفلانا (سمى ملوكا منهم) قد عبدوا الأوثان الا على مثل ما نحن
عليه يأكلون ويتنعمون مملكين ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم انه باطل وما نرى لنا عليهم من فضل - قال وهمَّ الملك بتعذيب الياس وقتله فلما احسّ الياس الشرّ رفضه وخرج عنه ولحق بشواهق الجبال وعاد
الملك إلى عبادة البعل وارتقى الياس إلى أصعب جبل وأشمخه « الشامخ العالي - منه ره » فدخل مغارة فيه يقال انه بقي