ج ٨، ص : ١٧٨
صورة أبيها فى دارها حتى لا ينكر منها شيئا فماثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه الا انه لا روح فيه فعمدت إليه حين صنعوه فاردّته وقمّصته وعمّمته بمثل ثيابه التي كان يلبسها - ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه فى ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له كما كانت تصنع فى ملكه وتروح عشية بمثل ذلك - وسليمان لا يعلم بشئ من ذلك أربعين صباحا فبلغ ذلك اصف بن برخياء وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان أى ساعة أراد دخول شىء من بيوته دخل حاضرا كان سليمان أو غائبا فاتاه فقال يا نبى اللّه كبر سنى ورق عظمى ونفد عمرى وقد حان منى الذهاب فقد أحببت ان أقوم مقاما قبل الموت اذكر فيه من مضى من أنبياء اللّه واثنى عليهم بعلمي فيهم واعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال افعل.
فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء اللّه تعالى واثنى على كل نبى بما فيه فذكر ما فضله اللّه حتى انتهى إلى سليمان فقال ما أحلمك فى صغرك واورعك فى صغرك وأفضلك فى صغرك واحكم أمرك فى صغرك وأبعدك عن كل ما تكره فى صغرك ثم انصرف فوجد سليمان فى نفسه من ذلك شيئا حتى ملاه غضبا فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال يا اصف ذكرت من مضى من أنبياء اللّه فاثنيت عليهم خيرا فى كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتنى جعلت تثنى علىّ الخير فى صغرى وسكتّ عما سوى ذلك من امرى فى كبرى فما الذي أحدثت فى اخر امرى فقال ان غير اللّه ليعبد فى دارك منذ أربعين صباحا فى هوى امراة فقال فى دارى فقال فى دارك فقال انّا للّه وانّا إليه راجعون لقد عرفت انك ما قلت الذي قلت الا عن شىء بلغك ثم رجع سليمان إلى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة ولايدها ثم امر شاب الطهارة فأتى بثياب لا يغزلها الا الابكار ولا ينسجها الا الابكار ولا تغسلها الا الابكار ولم تمسها امرأة قد رأت الدم ثم لبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده فامر برماد ففرش له ثم اقبل تائبا إلى اللّه حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذلّلا للّه وتضرعا إليه يبكى ويدعو ويستغفر مما كان هو فى داره فلم يزل كذلك حتى امسى ثم رجع إلى داره -


الصفحة التالية
Icon