ج ٨، ص : ٢٠٩
تلك الآية عن النواس بن سمعان رضى اللّه عنه إذا أراد اللّه بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من اللّه فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقو أو خرّوا للّه سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل الحديث - وروى البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم نحوه بلفظ إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا
لقوله كأنَّه سلسلة على صفوان فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ الحديث - وقوله تعالى فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا.
وقول ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم وكذا استعاذة اسماء محمول على انهما زعما غشى ذلك الرجل تكلفا ومكرا ولذا نسباه إلى الشيطان وانما كان انكار تلك الحالة منهما لعدم طريان الحالة عليهما وعلى أمثالهما بناء على وسعة الحوصلة وقوة الاستعداد - ويدل على ما قلت انه ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن فقال بيننا وبينهم ان يقعد أحدهم على ظهر بنية باسطا رجليه ثم يقرا عليهم القرآن من اوله إلى آخره فان رمى بنفسه فهو صادق حيث علّق صدقه على رمى نفسه من ظهر بنية مرتفعة فعلم منه انه حمل صرعه على الكذب والتكلف - اعلم ان البشر أقوى استعدادا وأوسع حوصلة من الملائكة كما يشهد عليه قوله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة إلى قوله انّى أعلم ما لا تعلمون - وقوله تعالى انّا عرضنا الامانة على السّموات والأرض الآية ولاجل ذلك يأتى حالة الغشي على الملائكة كلّما سمعوا الوحى دون البشر واما البشر فإذا تمّ نزوله لا يتغير حاله الا نادرا وإذا تم عروجه وقصر نزوله يتغير غالبا واعلم ان الصوفي متى كان فى السكر يتغير حاله غالبا عند ذكر المحبوب فى الشعر والتغني ولذلك يستحبون السماع لكن تغير الحال عند سماع القرآن اشرف منه حالا لأن عند استماع القرآن وتلاوته تتنزل البركات الاصلية المتعلقة بالتجليات الذاتية والصفات الحقيقية ولا سبيل إليها لاكثر الصوفية المحتبسين فى مقام ولاجل ذلك تراهم يتغير حالهم عند السماع ما لا يتغير عند تلاوة القرآن واما الذين صعدوا ذروة الأفق الأعلى ثم دنى رب العزة وتدلّى فكان قاب قوسين أفادني لا يتغير أحوالهم الا كما كان يتغير حال اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رضى اللّه عنهم


الصفحة التالية
Icon