ج ٨، ص : ٣٣٢
إِلَّا الْبَلاغُ
وقد بلّغت تعليل لقوله ما أرسلناك عليهم حفيظا وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ أراد به الجنس مِنَّا رَحْمَةً أى نعمة فى الدنيا قال ابن عباس يعنى الغناء والصحة فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من القحط أو الفقر أو المرض بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى بسبب معاصيهم التي قدموه وعبر بالأيدي لأن اكثر الافعال بها فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) بليغ الكفران لما تقدم من نعم اللّه عليه ينسى ويجحد باقل شىء من الشدة جميع ما أسلف عليه من النعم ويذكر البليّة ويعظّمها ولا يتامل فى سببها - وهذا الحكم وان اختص بالمجرمين جاز اسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه وتصدير الشرطية الاولى بإذا والثانية بان لأن اذاقة النعمة محققة من حيث انها عادة اللّه تعالى يقتضيه رحمته الذاتية بخلاف إصابة البليّة وأقيم علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع الضمير فى الثانية للدلالة على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فله التصرف فيها كيف يشاء من انعام وانتقام الجملة متصلة بقوله ومن آياته الجوار يَخْلُقُ ما يَشاءُ تعليل لما سبق وقوله يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً الآية قيل بيان للخلق يعنى يهب لبعض الناس أنثى لا يكون له ولد ذكر قيل من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن اللّه تعالى بدا بالإناث وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) فلا يكون له أنثى.
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فيجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فلا يولد له وقيل الجملة بدل من يخلق بدل البعض إِنَّهُ عَلِيمٌ بما يخلق قَدِيرٌ (٥٠) على ما يشاء فيفعل بحكمته واختياره.
قال البغوي قالت اليهود للنبى صلى اللّه عليه وسلم الا تكلم اللّه وتنظر إليه ان كنت نبيّا كما كلمه موسى ونظر إليه فقال لم تنظر موسى إلى اللّه عزّ وجلّ فانزل اللّه تعالى.
وَما كانَ لِبَشَرٍ أى ما صح له أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً وحيا وما عطف عليه منصوب على المصدرية لأن من وراء حجاب صفة كلام محذوف والإرسال نوع من الكلام وهو ما كان بتوسط الرسول وجاز ان يكون منصوبا على الحال ويكون المصدر بمعنى المفعول تقديره الا موحى