ج ٩، ص : ٣٦
ونظير هذه الآية قوله تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ رغم انف الروافض الذين يزعمون ان اصحاب محمد كانوا يتباغضون بينهم تَراهُمْ يا محمد رُكَّعاً سُجَّداً لاشتغالهم بالصلوة فى كثير من الأوقات فان الصلاة معراج المؤمنين حالان مترادفان من ضمير المنصوب فى ترهم وكذلك يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ الثواب بالجنة وروية اللّه تعالى وَرِضْواناً منه تعالى سِيماهُمْ علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مبتداء وخبر والجملة خبر لما سبق مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ط حال من الضمير المستكن فى الظرف قال قوم هو نور وبياض وجوههم يوم القيامة يعرفون به انهم سجدوا فى الدنيا وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال عطار بن أبى رباح والربيع بن أنس استنارت وجوههم فى الدنيا من كثرة الصلاة وقال شهر بن حوشب يكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر يعنى فى الاخرة وقال قوم هو السمت الحسن والخشوع والتواضع وهى رواية الوالبي عن ابن عباس وهو قول مجاهد وقال الضحاك صفرة الوجه من السهر وقال الحسن إذا راتهم حسبتهم مرضى وما هم مرضى وقال عكرمة وسعيد بن جبير هو اثر التراب على الجباه - وقال أبو العاليه لانهم كانوا يسجدون على التراب دون الأثواب يعنى تواضعا ذلِكَ المذكور مَثَلُهُمْ صفتهم فِي التَّوْراةِ قال البغوي هاهنا تم الكلام - ثم ذكر اللّه سبحانه ما فى الإنجيل من نعتهم فقال وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ إلخ وجاز ان يكون مثلهم فى الإنجيل معطوفا على مثلهم فى التوراة يعنى ذلك مذكور فى الكتابين ويكون قوله تعالى كَزَرْعٍ إلخ تمثيلا مستانفا وجاز ان يكون ذلك الاشارة مبهمة يفسرها قوله تعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ الجملة مع ما عطف عليه صفات زرع قرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء والباقون بإسكانها وهما لغتان بمعنى فروع الزرع أى أول ما خرج من الحب فَآزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ أى صار من الرقة إلى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ جمع ساق قرأ ابن كثير سئوقه بالهمزة والباقون بغير الهمزة يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته وغلظه وقوته وحسن منظره هذين المثلين ضربهما اللّه تعالى لاصحاب محمد ـ ﷺ ـ لكن الأول منهما يصدق على غير الصحابة أيضا من خيار الامة والثاني منهما مختص بالصحابة لا يشارك فيه أحد غيرهم فان اللّه سبحانه أرسل محمدا ـ ﷺ ـ وحده كالزراع بذر فى الأرض فامن به أبو بكر وعلى وبلال ورجال متعددون بعدهم منهم عثمان وطلحة والزبير والسعد وسعيد وحمزة وجعفر وغيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا كزرع أخرج شطأه فكان الإسلام فى بدوّ الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لا محائه لبدا لو لا حماية اللّه تعالى فازره اللّه تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين والأنصار حين سقوا زرع الدين