ج ٩، ص : ٤٦
منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكوة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل فى الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلوة المغرب والعشاء وأخذ صدقاتهم ولم ير فيهم الا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول اللّه ـ ﷺ ـ وأخبره الخبر فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يعنى الوليد ابن عقبة بِنَبَإٍ أى بخبر ارتداد القوم وتنكير الفاسق ولنبأ لشيوع الحكم كأنَّه قال أى فاسق جاءكم باى نبأ - فَتَبَيَّنُوا قرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم التا المثناة من الفوق من التثبت بمعنى التوقف فى الحكم مالم يظهر الحال والباقون بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ثم النون من التبين بمعنى طلب البيان وظهور الحال والقراءتان متقاربان معنى وتعليق التثبت والتبين يخبر الفاسق يقتضى جواز قبول خبر الواحد العدل لعدم المانع من قبول خبره والفسق فى اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة عن قشرها وفى اصطلاح الشرع قد يطلق على الكافر لخروجه عن الايمان وهو الغالب فى محاورة القرآن وقد يطلق على من ارتكب الكبيرة أو أصر على الصغيرة مالم يتب وهو المراد فى هذه الآية اجماعا قلت والوليد ابن عقبة رض كان صاحبا لرسول اللّه ـ ﷺ ـ ولم يكن فسقه ظاهرا قبل هذا الكذب المبنى على فساد ظنه واتهامه من كان له اعداء فى الجاهلية فلعل المراد بالفاسق هاهنا من لم يظهر صدقه وعدالته فيدخل فيه مستور الحال أيضا أو المراد بالفاسق من كان مخبر الشيء يدل القرينة على كذبه وان كان المخبر ظاهر العدالة فان ارتداد بنى المصطلق بعد ايمانهم عند رسول اللّه ـ ﷺ ـ طوعا وقبولهم أحكامه ابعد احتمالا من كذب الوليد عمدا أو زعما فاسدا - أَنْ تُصِيبُوا أى كراهة ان تصيبوا أو لئلا تصيبوا بالقتل والقتال قَوْماً براء من العصيان بِجَهالَةٍ حال من فاعل تصيبوا يعنى جاهلين بحقيقة الأمر وحال القوم
فَتُصْبِحُوا أى تصيروا عطف على تصيبوا عَلى ما فَعَلْتُمْ متعلق بقوله نادِمِينَ وهو خبر لتصبحوا يعنى تصيروا نادمين على أصابتكم قونا براء والندامة نوع من الغم على ما صدر منك بحيث تتمنى انه لم يصدر الظاهر من سياق الآية ان بعض المؤمنين كانوا زينوا رسول اللّه ـ ﷺ ـ الإيقاع بينى المصطلق وتصديق قول الوليد والنبي ـ ﷺ ـ لم يطعهم وبعث خالدين الوليد للتثبت وتبيين الحال قال اللّه سبحانه خاطبهم بهذه الآية وأمرهم بالتثبت والتبيين كما فعله رسول اللّه ـ ﷺ ـ كيلا يصبحوا نادمين وبينهم على انه لا ينبغى لهم تحريص النبي ـ ﷺ ـ وإلجاؤه إلى ما تهوى به نفوسهم بل يجب عليهم ان يطيعوه فيما أحبوا وفيما كرهوا يدل عليه قوله تعالى.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ