ج ٩، ص : ٦٨
الى خلقه بهذا المعنى غير مرضى عندى وقالت الصوفية العلية بل اللّه سبحانه اقرب إلى المخلوقات من أنفسها قربا ذاتيا لا زمانيا ولا مكانيا ولا متكيّفا بكيفية أصلا - يدرك ذلك القرب بنور الفراسة لا بالمشاعر أو الاستدلال وغاية ما يقال فى هذا المقام ان العالم من حيث انه محتاج فى الوجود والبقاء إلى الواجب يشبه نسبته إلى الواجب بنسبة الظل إلى الأصل فان الظل لا وجود له ولا بقاء الا بوجود أصله فالاصل اقرب إلى الظل من نفسه والواجب اقرب إلى الممكن من نفسه بالذات الا ترى ان الممكن ما لم ينتسب إلى الواجب لم يجب بالغير وما لم يجب لم يوجد وما لم يوجد لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا غلا يقال زيد ما لم يوجد يجوز حينئذ سلبه عن نفسه إذ يشترط وجود الموضوع للحمل الإيجابي وان كان حملا أوليا فوجود الممكن اقرب إلى ذات الممكن من ذاته لجواز سلب الشيء عن نفسه ما لم يوجد والمراد بالوجود هاهنا ما به الموجودية لا المعنى المصدرية فذات اللّه سبحانه اقرب إلى الممكن من ذاته فهو ابعد فى الوجدان واقرب بالذات ولما كانت الصوفية ينسبون العالم إلى دائرة الظلال والظلال إلى الصفات والصفات إلى الذات وفى الظلال مراتب كثيرة كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام ان للّه سبعون الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لا حرقت صبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وكذا فى الصفات قال اللّه تعالى ولو ان ما فى الأرض من شحرة أقلام والبحر يمده من بعده لسبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه وقال اللّه تعالى ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق فنبأ على هذا - قال المجدد قدس سره العزيز انه سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جهته القرب دون البعد يعنى ظلال الصفات اقرب إلى الممكن من الممكن وصفات اللّه تعالى اقرب إلى الممكن من ذاته ومن الظلال واللّه سبحانه اقرب إلى الممكن من ذاته ومن الظلال ومن الصفات واللّه تعالى
اعلم (فائدة) هذا النوع من القرب المستفاد من هذه الآية يعم الخلائق كلها حتى الكافرين وللّه سبحانه بخواص عباده قرب اخر لا يشارك النوع الأول من القرب الا اشتراكا اسميا لا حقيقيا وذلك القرب أيضا يدرك بالفراسة الصحيحة ويستفاد من الكتاب والسنة قال اللّه تعالى واسجد واقترب وقال اللّه تعالى اللّه معنا ان معى ربى عند ذى العرش مكين عند مليك مقتدر وفى فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى ونحو ذلك و
قال عليه الصلاة والسلام لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل ونحو ذلك وهذا القرب يسمى بالولاية ولها مراتب لا تعدو لا نحصى ولا يدل عليه كلمة لا يزال ويضاده البعد المختص بالكفار قال اللّه تعالى الا بعد العاد قوم هود الا بعد الثمود الا بعدا للقوم الظالمين -.
إِذْ يَتَلَقَّى أى يأخذ الملكان الْمُتَلَقِّيانِ الموكلان بالإنسان ومفعول يتلقى محذوف مراد يعنى يتلقى عمله ومنطقه