ج ٩، ص : ٩١
كذا ذكر البغوي قول على رض قال مجاهد الا ليعرفوا والكفار أيضا يعرفون وجوده تعالى حيث قال اللّه تعالى ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن اللّه وقيل معناه الا ليكونوا عباد إلى أو ليخضعوا لى ويتذللوا ومعنى العبادة فى اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والانس خاضع لقضاء اللّه تعالى متذلل لمشيته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له وقيل الا ليوحدون اما المؤمنون فيوحدون فى الشدة والرخاء اما الكافرون فيوحدونه فى الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال اللّه تعالى وإذا ركبوا فى الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين قال صاحب المدارك الكفار كلهم يوحدون اللّه فى الاخرة قال اللّه تعالى ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين واشراكهم فى الدنيا وهى بعض أحيان وجودهم لا ينافى كونهم مخلوقين للتوحيد قلت والقول ما قال على رض ما سواه اقوال ضعيفة واهية والذي حملهم على ما قالوا ان ظاهر الآية يقتضى انهم خلقوا مرادا منهم الطاعة وتخلف مراد اللّه تعالى محال وقد قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ كل ميسّر لما خلق له وقال اللّه تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس وقال الكلبي والضحاك والسفيان هذا خاص لاهل الطاعة من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس ما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وعندى تاويل الآية ما خلقت الجن والانس الا مستعدين العبادة صالحين لها نظيره قوله ـ ﷺ ـ ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه وينصرانه ويمجسانه كما تنتهج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول فطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه متفق عليه من حديث أبى هريرة وهذا التأويل يناسب تاويل على رض ومقتضى هذه الآية ذم الكفار لاجل اضاعتهم الفطرة السليمة هى اصل الخلقة.
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ المراد ان شانه تعالى مع عباده ليس شان السادة مع عبيدهم فانهم انما يملكونهم ليستعينوا بهم فى تحصيل رزقهم وكسب طعامهم واللّه تعالى منزه عن ذلك وقيل معناه ما أريد منهم ان يرزقوا أحدا من خلقى ولا ان يرزقوا أنفسهم وان يطعموا أحدا من خلقى وينافى هذا التأويل اسناد الطعام إلى نفسه وأجيب بان الخلق عيال اللّه ومن اطعم عيال أحد فقد أطعمه كما جاء فى الحديث يقول اللّه يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال اما علمت انه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى رواه مسلم من حديث أبى هريرة فى حديث ذكر فيه مرضت فلم تعدنى واستسقيتك فلم تسقنى قلت هذا قول بالتجوز ومع ذلك
ج ٩، ص : ٩٢
يرد عليه ان اللّه تعالى أراد من المؤمنين وامر الناس أجمعين بأداء زكوة أموالهم رزقا للفقراء وان يطعموا أنفسهم وأهليهم ومن وجب عليهم نفقاتهم فكيف يقال ما أريد منهم ان يرزقوا اللهم الا ان يقال المقص من إيجاب الزكوة امتثال الأمر وفعل الأداء دون الترزيق ومن هاهنا قال أبو حنيفة لا يجب الزكوة على الصبى والمجنون ولكن هذا الجواب لا يستقيم فى العشر والخراج ونفقة الآباء والأولاد والزوجات فان المقصود إيصال الرزق إلى العباد ولذا تجرى فيها النيابة ويتادى بأداء ولى الصبى.
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ لجميع خلقه مستغن عنه ذُو الْقُوَّةِ على الترزيق وعلى كل ما أراد الْمَتِينُ شديدة المبالغ فى القدرة قيل فى تاويل الآية ان قوله تعالى ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ إلخ من كلام رسول اللّه ـ ﷺ ـ مقدر بقل يعنى قل يا محمد ما أريد منهم أى من الناس من رزق نظيره لا أسألكم عليه اجرا قال بعض المحققين قوله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ بتقدير قل عطف على ذَكِّرْ والى قوله تعالى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ داخل فى مقولة قل لا يقال كيف يصح ما خَلَقْتُ الْجِنَّ إلخ كلاما للرسول لانا نقول هو على طريقة قول الملك للسفير قل ان أمركم بكذا فيقول السفير بقول الملك انى أمركم بكذا وان الأمير يأمركم بكذا ومثل هذا متعارف.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالشرك والمعاصي واضاعة الفطرة السليمة ووضع الكفران موضع العبادة التي كلفوا بها وخلقوا مستعدين لها ذَنُوباً أى نصيبا من العذاب وهو فى الأصل الدلو العظيم الذي له ذنب واستعير للنصيب أخذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء وقال الزجاج الذنوب فى اللغة النصيب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ أى مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة كعاد وثمود وفرعون وقوم نوح وقوم لوط والفاء للسببية تعليل لقوله فتول عنهم - فَلا يَسْتَعْجِلُونِ الفاء أيضا للسببية يعنى إذا سمعت وعيدي لكفار فهو يكفيك للتسلية فلا تستعجلون فى تعذيبهم وجاز ان يكون هذا خطابا بالكفار جوابا لقولهم متى هذا الوعد ان كنتم صادقين.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعنى يوم القيامه وقيل يوم بدر الفاء للسببية مسبب لتحقق الوعيد واللّه تعالى أعلم.