ج ٩، ص : ١٠٦
الأنبياء على تلك الصورة الا محمد ـ ﷺ ـ قوله تعالى ثُمَّ دَنا يعنى جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى محمد ـ ﷺ ـ لما خرّ رسول اللّه ـ ﷺ ـ مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين أو ادنى يعنى بل ادنى والقوس ما يرمى به فى قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فاخبر انه كان بين جبرئيل وبين محمد ـ ﷺ ـ مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس وقال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذرا عين وهو قول سعيد بن جبير وشفيق بن سلمة والقوس الذراع يقاس بها كل شىء كذا روى البخاري فى تاويل الآية عن عائشة رض وقال البغوي وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة قيل فى الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنى لأن التدلي سبب الدنو والظاهر ان الدنو أعم مطلقا عن التدلي فان الدنو لا يقتضى وصول الشيء إلى منتهى مسافة يريد قطعها إلى تحت بخلاف التدلي فانه ماخوذ من الدلو فان التدلي وصول الدلو إلى قعر البير وأيضا يعتبر فى التدلي الوصول إلى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يتال ادلى رجله من السرير وادلى دلوه والدوالي للثمر المعلق فاوحى جبرئيل إلى عبده يعنى عبد اللّه وما اوحى اللّه إليه وهذا التأويل يأباه العربية والمعقول بوجوه أحدها ان قصة جبرئيل هذه حكاية حال والكلام فى ان القرآن ليس شيأ منها مما نطقه محمد ـ ﷺ ـ من تلقاء نفسه بل كله مما اوحى إليه من ربه وجملة شديد القوى مع ما عطف عليه من قوله فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى حال من الضمير المستكن فى قوله الا وحي يوحى وزمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فمقتضى الكلام وقوع تلك القصة فى كل مرة اوحى إليه شىء من القرآن والا لا يجوز وقوعه حالا أو لا يجوز القول بان القرآن كله كذلك ثانيها انه يلزم حينئذ انتشار الضمائر فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
ورجوع ضمير عبده إلى اللّه سبحانه قرينة لكونه ضميرا وحي راجعا إلى اللّه تعالى ثالثها ان الدنو أو التدلي من جبرئيل عليه السلام وكونه قاب قوسين أو ادنى ليس كما لا للنبى ـ ﷺ ـ فان النبي ـ ﷺ ـ كان أفضل من جبرئيل عليه السلام قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ وزير أى فى السماء جبرئيل وميكائيل ووجه القول بالتأويل الثاني انما هو استبعاد الاستواء والدنو والتدلي إلى اللّه تعالى ولما كان القرآن ناطقا بان منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد والاستواء والدنو والتدلي وكونه قاب قوسين أو ادنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لارباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر فالاوجه فى القول ما قالوا واللّه تعالى أعلم قال سعيد بن جبير فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
انه اوحى إليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى إلى قوله ورفعنا لك ذكرك


الصفحة التالية
Icon