ج ٩، ص : ١٠٨
ونفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال اللّه تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى وأيضا مفهوم الآية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك واما قوله ما كان لبشر ان يكلمه اللّه إلا وحيا أو من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب والوحى بلا حجاب فلا استدلال به واللّه تعالى أعلم وروى مسلم عن أبى ذر قال سالت رسول اللّه ـ ﷺ ـ هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه وفى بعض الروايات نورانى منسوب إلى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية وعلى الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت وبعد ثبوت روية ـ ﷺ ـ ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب أيضا ان المراد بالروية فى الآية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى إليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرأ أبو جعفر وهشام عن أبى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد ـ ﷺ ـ ما راى بعينه أو بقلبه بل صدقه وايقنه وهو حققه فان الأمور القدسية تدرك أو لا بالقلب ثم ينتقل منه إلى البصر والبصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب وان قصر بصره أو بصيرته عما أدركه القلب وراى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من اللّه سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما القى
الشيطان فى أمنيته والفارق بينهما ان يرجع الصوفي إلى قلبه فان صدقه قلبه واطمأن به ورأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من اللّه سبحانه وان كذبه قلبه واضطرب عنده وابى عرف انه من النفس أو الشيطان قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ إذا جاءك فى صدرك شىء فدعه رواه أحمد عن أبى امامة أو قال عليه السلام استفت قلبك وان أفتاك المفتون وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجىء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد ـ ﷺ ـ فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر فان قيل هذه الآية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب قلنا نعم وتحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك اللّه سبحانه وصفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات أيضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها وظلالها لا بانفسها وما يرى ذات شىء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية اللّه سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي ـ ﷺ ـ خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار


الصفحة التالية
Icon