ج ٩، ص : ٣٤٧
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ سائر الدَّاخِلِينَ من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء أو أحد من المؤمنين قطع اللّه تعالى بهذه الآية طمع من يكفر ان ينفعه ايمان غيره ثم أخبر ان كفر غيره لا يضره إذا كان مؤمنا بقوله.
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وهى آسية بنت مزاحم فانها كانت تحت اعداء اللّه ولم يضرها كفره قال المفسرون لما غلب موسى السحرة امنت امرأة فرعون فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربع أوتاد والقاها فى الشمس قال سليمان امرأة فرعون تعذب فى الشمس فإذا انصرفوا عنها أظلها الملائكة إِذْ قالَتْ الظرف متعلق بكائن وهو صفة لمثل امرأة فرعون أي مثل امرأة فرعون كاين وقت قولها رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ عندية لا كيف لها فانه منزه من المكان بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فكشف اللّه لها من بيتها فى الجنة حتى راته وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ يعنى تعذيبه وقال مقاتل أرادت بعمله الشرك وقال أبو صالح عن ابن عباس أرادت به جماعة وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ على أنفسهم بالكفر والمعاصي على عباد اللّه التعذيب من القبط التابعين له فى القصة ان فرعون امر يصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوه بالصخرة قالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فابصرت بيتها فى الجنة من درة وانتزع روحها فالقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجدا لما وقال الحسن ابن كيسان رفع اللّه امرأة فرعون إلى الجنة فهى فيها تأكل وتشرب.
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف على امرأة فرعون الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الرجال فَنَفَخْنا فِيهِ أى نفخ جبرئيل عليه السلام بامرنا فى جيب درعها نفخا وأصلا إلى فرجها فحملت بعيسى عليه السلام والضمير عايد إلى الفرج ولما كان النفخ بامر اللّه تعالى وافعال العباد كلها بخلق اللّه أسند اللّه تعالى النفخ إلى نفسه مِنْ رُوحِنا أى روحا خلقناه بلا توسط اصل ومن زائدة فى الإثبات على قول الأخفش وهو الظاهر وقال سيبويه للتبعيض يعنى بعض هذا النوع كما فى قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها أى بصحفه المنزلة أو بما اوحى إلى أنبيائه والمراد شرايع اللّه تعالى لعباده وَكُتُبِهِ قرأ أبو عمر وحفص على الجمع والباقون بالإفراد والمراد به ما كتب فى اللوح أو جنس الكتب المنزلة وقرأ بكلمة اللّه وكتابه يعنى بعيسى وإنجيل وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ أى من جملة مواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب ولاشعاران رتبتها لم تقصر عن رتبة الرجال الكاملين
ج ٩، ص : ٣٤٨
حتى عدت من جملتهم عن أبى موسى قال قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام رواه أحمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة ورواه الثعلبي وأبو نعيم فى الحلية بلفظ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ـ ﷺ ـ وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام قلت لعل المراد بالكمال البلوغ إلى كمالات النبوة وما فوقها ورواية الصحيحين كانها اخبار عن الأمم الماضية حيث كثر الأنبياء فيهم ولم يبلغ درجة كمالات النبوة من النساء الا آسية ومريم وعن أنس ان النبي ـ ﷺ ـ قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ـ ﷺ ـ وآسية امرأة فرعون وعن على قال سمعت رسول اللّه ـ ﷺ ـ يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائنا خديجة بنت خويلد متفق عليه وفى رواية قال كريب وأشار إلى السماء والأرض وعن أم سلمة ان رسول اللّه ـ ﷺ ـ دعا فاطمة عام الفتح فناجاها فبكت ثم حدثها فضحكت فلما توفى رسول اللّه ـ ﷺ ـ سالتها عن بكائها وضحكها قالت أخبرني رسول اللّه ـ ﷺ ـ انه يموت فبكيت ثم أخبرني انى سيدة نساء أهل الجنة الا مريم بنت عمران فضحكت رواه الترمذي وقد ذكرنا بحث تفاضل مريم وآسية وخديجة وفاطمة وعائشة رض فى سورة ال عمران فى تفسير قوله يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (فائده) فى هاتين التمثيلتين تعريض لحفصة وعائشة رض فيما فرط منهما من التظاهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما كرهه وتوبيخ لهما على اغلظ الوجوه واشارة إلى ان حقهما ان تكونا فى الايمان كهاتين المؤمنين وان لا تتكلا على انهما زوجا رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم تمت ٢٩/ ربيع الثاني سنة ١٢ ه وثمانية جمادى الاولى بتصحيح : مولانا غلام نبى تونسوى الراجي إلى مغفرة ربه القوى.


الصفحة التالية
Icon