ج ١٠، ص : ٢٨٤
والمعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك إلى عمك أبى طالب وضمك إليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه ـ ﷺ ـ سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى أى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى أى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى أى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر أهل مكة فاغتم النبي صلى اللّه عليه وسلم وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد اللّه عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى اللّه سبحانه ويسمونها بالعروج والسير إلى اللّه أو السير في اللّه وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة إلى اللّه فيسرى نفسه فى هذه ال حالة فى
بادى النظر منقطعا عن اللّه متوجها إلى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من اللّه باللّه فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم