ج ٢قسم ١، ص : ١١
يأولوه على ما يشتهونه وقد يكون ابتغاء التأويل بناء على الجهل فقط وذلك من بعض المتأخرين من المبتدعة واما من الأوائل المنافقين منهم فكان الداعي على اتباع المتشابهات غالبا مجموع الطلبين وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أى بيان المتشابه من الآيات على ما هو المراد منه عند الله تعالى إِلَّا اللَّهُ أى لا يجوز ان يعلمه غيره تعالى الا بتوقيف منه ولا يكفى لمعرفته العلم بلغة العرب - فالحصر إضافي نظيره قوله تعالى لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ - يعنى لا يعلم الغيب غيره تعالى الا بتوقيف منه - فهذه الآية لا تدل على ان النبي ﷺ وبعض الكمل من اتباعه لم يكونوا عالمين بمعاني المتشابهات - كيف وقد قال الله تعالى ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ فانه يقتضى ان بيان القرآن محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى ﷺ واجب ضرورى لا يجوز ان يكون شىء منها غير مبين له عليه السلام والا يخلوا الخطاب عن الفائدة ويلزم الخلف فى الوعد - والحق ما حققناه فى أوائل سورة البقرة ان المتشابهات هى اسرار بين الله تعالى وبين رسوله ﷺ لم يقصد بها إفهام العامة بل إفهام الرسول ومن شاء افهامه من كمل اتباعه بل هى مما لا يمكن بيانها للعامة وانما يدركها أخص الخواص بعلم لدنى مستفاد بنوع من المعية الذاتية أو الصفاتية الغير المتكيفة - وَالرَّاسِخُونَ أى الذين رسخوا أى ثبتوا وتمكنوا فِي الْعِلْمِ بحيث لا تعترضه شبهة وهم أهل السنة والجماعة الذين عضوا بالنواجذ على محكمات الكتاب والسنة واقتفوا فى تفسير القرآن اجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين هم خيار الامة ورد والمتشابهات إلى المحكمات وتركوا الأهواء والتلبيسات - وقيل الراسخون فى العلم مؤمنوا أهل الكتاب - قلت لا وجه لتخصيصهم - وقالت الصوفية العلية الراسخون فى العلم هم
المنسلخون عن الهواء بالكلية بفناء القلب والنفس والعناصر المتفوضون فى التجليات الذاتية حيث لا يعتريهم شبهة المترنمون بما قالوا لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا أخرج الطبراني وغيره عن أبى الدرداء ان رسول الله ﷺ سئل عن الراسخين فى العلم قال من برّت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه وعفف بطنه وفرجه فذلك من الراسخين فى العلم قلت هذا شأن الصوفية ثم اختلف العلماء فى نظم هذه الآية فقال قوم الواو للعطف والمعنى ان تأويل المتشابه يعلمه الله


الصفحة التالية
Icon