ج ٢قسم ١، ص : ٣٦
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ بإظهار قهاريته يوم تجد - ولو كان الظرف متعلقا با ذكر جاز ان يكون هذه الجملة معطوفة على تجد أى اذكر يَوْمَ تَجِدُ ويوم يحذّركم اللّه بإظهار قهاريته وهذه الجملة لبيان المعاملة مع الكفار وقوله تعالى وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) أى بعباده المؤمنين لبيان المعاملة مع المسلمين وجاز على التأويل الأول ان يكون هذه الجملة فى مقام التعليل للجملة الاولى يعنى انما يحذّركم اللّه نفسه لأنه رؤف بالعباد يريد إصلاحهم - أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن مرسلا قال قال أقوام على عهد نبيّنا ﷺ والله يا محمد انا لنحب ربنا فانزل الله تعالى.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الآية - وروى ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير انها نزلت فى وفد نجران لمّا قالوا انما نعبد المسيح حبّا لله وقال البغوي نزلت فى اليهود والنصارى حيث قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وقال الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما وقف النبي ﷺ على قريش وهم فى المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا فى آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال والله يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم ابراهيم وإسماعيل فقال قريش انما نعبدها حبّا لله لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى فقال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الحب بضم الحاء وكسره وكذا الحباب بهما والمحبة مصادر من أحبه يحبه فهو محبوب على غير قياس ومحبّ قليل وحببته أحبه حبا من ضرب يضرب شاذ - وهو عبارة عن اشتغال قلب المحب بالمحبوب وأنسه به بحيث يمنعه عن الالتفات إلى غيره ولا يكون له بد من دوام التوجه إليه والاشتغال به وهذا هو المعنى من قولهم العشق نار فى القلوب تحرق ما سوى المحبوب - يعنى يقطع عن قلبه التوجه إلى غير المحبوب فيجعله نسيا منسيا كان لم يكن فى الوجود غير محبوبه حتى يسقط عن نظر بصيرته نفسه فلا يرى نفسه كما لا يرى غيره ومقتضى تلك الصفة ابتغاء مرضات المحبوب وكراهة ما يكرهه طبعا وبالذات بلا ملاحظة طمع فى ثوابه أو خوف من عقابه وان اجتمع مع ذلك طمع وخوف أيضا - هذا تعريف المحبة من العبد واما محبة الله تعالى لعبده فالله سبحانه منزه عن القلب واشتغاله ولا يمنعه شأن عن شأن فهى فى حقه تعالى عبارة عن الانس الساذج المقتضى لجذب العبد إلى جنابه وعدم إهماله وتركه إلى غيره -


الصفحة التالية
Icon