ج ١، ص : ٤٩
وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس - وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في اخر الخلق واخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل - وهذا الحديث يدل على ان خلق آدم بعد خلق الأرض يوم سابعة فكيف يتصور مكث الجن زمانا طويلا في الأرض ثم طردهم إلى شعوب الجبال وسكونة إبليس وجنوده من الملائكة زمانا طويلا - ثم قوله تعالى لهم إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً - قلت لا دليل في الحديث على ان المراد بالجمعة التي خلق فيها آدم أول جمعة بعد خلق الأرض لعل ذلك الجمعة بعد مضى الدهور - ولولا هذا التأويل لزم خلق السموات والأرض في سبعة ايام والثابت بالقران خلق السموات والأرض في ستة ايام واللّه اعلم - والمراد بالخليفة آدم عليه السلام فانه خليفة اللّه في ارضه لاقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه وهداية عباده وجذبهم إلى اللّه واعطائهم مراتب قربه تعالى وذلك لا لاحتياج من اللّه تعالى إلى الخليفة بل لقصور المستخلف عليهم عن قبول فيضه وتلقى امره بغير وسط - وكذلك كل نبى بعده خليفة اللّه قالُوا تعجبا واستخبارا عن مراشد أمرهم لا اعتراضا وحسدا فانهم عباد مكرمون أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ - وهم ذرية آدم - وانما عرفوا ذلك بأخبار من اللّه تعالى وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ حال مقررة لجهة الاشكال والمعنى أتستخلف العصاة ونحن معصومون احقّاء بالخلافة - والتسبيح تبعيد اللّه عن السوء من سبح في الأرض والماء أى بعد - وبحمدك في موضع الحال أى متلبسين « ١ » بحمدك على ما وفقتنا لتسبيحك وَنُقَدِّسُ لَكَ - والتقديس أيضا بمعنى التسبيح ويقال قدس إذا طهر أى بعد عن الاقذار - واللام زائدة أى نقدسك - أو المعنى نقدس أى نطهر أنفسنا عن الذنوب لاجلك - كانهم قابلوا الفساد المفسر بالشرك بالتسبيح وسفك الدماء بالتقديس - سئل
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أى الكلام أفضل قال ما اصطفى اللّه لملائكته سبحان اللّه وبحمده - رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى ذر - وهو صلوة الخلق وعليها يرزقون رواه ابن أبى شيبة عن جابر والبغوي عن الحسن قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وانّى بفتح الياء والباقون بالسكون - ان الملائكة كانوا يعلمون بأخبار من اللّه تعالى ان من البشر صالحين وعصاة وكفارا فلا جرم زعموا ان الملائكة أفضل منهم لكونهم كلهم معصومين لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فاستخلافهم اولى واستخلاف البشر موجب للفساد كما وقع من شرارهم - ولم يعلموا ان اللّه تعالى يستودع في قلوب بعضهم - محبة ذاتية
_________
(١) فى الأصل ملتبسون -


الصفحة التالية
Icon