ج ١، ص : ٧٢
ذلِكُمْ أى القتل خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ لأنه طهرة من الشرك ووصلة إلى الحيوة الابدية والبهجة السرمدية - فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا نصبر بامر اللّه - فجلسوا في الافنية محتبين وقيل من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله - أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته وسلت القوم عليهم الخناجر فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه فلم يمكنهم المضي لامر اللّه تعالى قالوا يا موسى كيف نفعل فارسل اللّه ضبابة يعنى بخارا متصاعدا من الأرض أو سحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وكانوا يقتلون إلى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنوا إسرائيل فكشف اللّه السحابة وأمرهم ان يكفوا عن القتل فتكشف عن ألوف من القتلى - روى عن على انه قال كان عدد قتلى سبعين الفا فاشتد ذلك على موسى فاوحى اللّه تعالى إليه اما يرضيك ان ادخل القاتل والمقتول في الجنة وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفرا عنه ذنوبه فَتابَ عَلَيْكُمْ فتجاوز عنكم متعلق بمحذوف - فان كان من كلام موسى فتقديره ان فعلتم القتل فقد تاب اللّه عليكم - والا فتقديره على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم - إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ القابل للتوبة يكثر قبولها أو يكثر توفيق التوبة الرَّحِيمُ (٥٤).
وَإِذْ قُلْتُمْ حين امر اللّه موسى ان يأتيه في ناس من بنى إسرائيل معتذرين إليه من عبادة العجل فاختار سبعين رجلا من خيارهم - وقال لهم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ففعلوا فخرج بهم إلى طور سيناء فقالوا له اطلب لنا نسمع كلام ربنا - فلما دنا موسى من الجبل وقع عليهم عمود الغمام وتغشى الجبل كله فدخل في الغمام وقال لهم حين دخلوا في الغمام خروا سجدا - وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد ان ينظر إليه فضرب دونهم الحجاب فسمعوه وهو يكلم بأمره وينهاه - وأسمعهم اللّه انى انا اللّه لا اله الا انا ذو بكة أخرجتكم من ارض مصر بيد شديدة فاعبدونى ولا تعبدوا غيرى - فلما فرغ موسى وانكشف الغمام واقبل إليهم - قالوا يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أى لاجل قولك - أو لن نقر لك ان اللّه الذي اعطاك التورية وكلمك أو انك نبى حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً - عيانا وهى في الأصل مصدر جهرت بالقراءة - استعير للمعاينة ونصبها على المصدر لانها نوع من الرؤية أو الحال من الفاعل أو المفعول به