يقول تعالى : وإعلام ﴿ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ ﴾ وتقدم، وإنذار إلى الناس ﴿ يَوْمَ الحج الأكبر ﴾ وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكبرها جميعاً ﴿ أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ ﴾ أي برئ منهم أيضاً. ثم دعاهم إلى التوبة إليه فقال :﴿ فَإِن تُبْتُمْ ﴾ أي مما أنتم فيه من الشرك والضلال، ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ أي استمررتم على ما أنتم عليه ﴿ فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله ﴾، بل هو قادر عليكم وأنتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته ﴿ وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي في الدنيا بالخزي والنكال، وفي الآخرة بالمقامع والأغلال. روى البخاري عن أبي هريرة قال : بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل الأكبر، ومن أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله ﷺ مشرك. وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : كنت مع ( علي بن أبي طالب ) حين بعثه رسول الله ﷺ إلى أهل مكة ببراءة فقال : ما كنتم تنادون؟ قال : كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله ﷺ عهد فإن أجله أو مدته إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك، قال : فكنت أنادي حتى صحل صوتي.
و « عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ بعثه ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال :» لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي «، فبعث بها مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه » و « عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ حين بعثه ببراءة قال : يا نبي الله إني لست باللسن ولا بالخطيب، قال :» لا بد لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت « قال : فإن كان لا بد فسأذهب أنا، قال :» انطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك «، قال : ثم وضع يده على فيه » وقال محمد بن إسحاق :« نزلت براءة على رسول الله ﷺ، وقد كان بعث أبا بكر ليقيم الحج للناس فقيل يا رسول الله : لو بعثت إلى أبي بكر، فقال :» لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي «، ثم دعا علياً فقال :» اذهب بهذه القصة من سورة براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله ﷺ فهو له إلى مدته فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله ﷺ العضباء، حتى أدرك أبا بكر في الطريق، فلما رآه أبو بكر قال : أمير أو مأمور؟ فقال : بل مأمور، ثم مضيا، فأقام أبو بكر للناس الحج إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذن بالناس بالذي أمره رسول الله ﷺ فقال : يا أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله ﷺ فهو إلى مدته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان ثم قدما على رسول الله ﷺ «


الصفحة التالية
Icon